ووصلا أخيرا حوض الياسمين، وتفحصه البيه بعيني صقر، ونصف وجهه تظلله القبعة والنصف الآخر تلسعه الشمس، ودار حول الحوض وعم عبد الله يراقبه ببسمة طيبة فخورة كلها ثقة، وكأنه فنان يباهي بما صنع، وضاعت ابتسامته حين توقف البيه عند ركن الحوض، وتملى في أرضه، ثم أشار إلى ناحية منه قائلا في اتهام: دي، هنا، ده عزيق يا راجل!
واقترب عم عبد الله، وحدق هو الآخر بنظره الذي على قده، ثم قال: آه، دي ريشة الحوض يا سعادة البيه، ما تتعزقش. - مين قالك؟ مين علمك؟ إيش عرفك؟
وسكت عم عبد الله وهو لا يدري بماذا يجيب، وتدلى فكه على قدر ما سمحت به عضلاته المستهلكة وهو يسمع البيه يقول للمرة الثانية: أيوه، هات فاس. - العفو يا بيه، داحنا ... - يالله. - إنما ... دا تعب على سعاد ... - تعب إيه راجل انته! دي رياضة، يالله روح.
وانطلقت من إسماعيل بيه كلمة «روح» كما تنطلق البندقية وفي أعقابها انطلق عم عبد الله.
والبيه بينه وبين نفسه لم يكن في حاجة لأن يكهرب الرجل هكذا ليستطيع تحقيق الفكرة التي واتته، وكان ممكنا أن يطلب الفأس ببساطة ويعزق، ولكنه فعل ما فعل من قبيل التسلية، فمزاجه يومها كان رائقا، وإذا لم يتسل على عم عبد الله فعلى من غيره يتسلى؟
وعاد عم عبد الله يجري وفي يده الفأس، وقبل أن يتناولها البيه تردد الرجل لحظة، ثم تهته قائلا: عن ... عن إذن سعادتك.
ولم ينتظر الإذن، واندفع يجري، وعاد وقد غسل يد الفأس وأزال ما علق بها من طين خشن جاف.
والتقط البيه الفأس في رشاقة كما يلتقط عصا «البلياردو»، وقد أحس بخفة تكاد تطير به، وشعر بالريف، والصباح، وجو العزبة، تعيده في سرعة سحرية من السابعة والثلاثين حيث هو إلى السابعة عشرة، بل تكاد تصل به إلى السابعة.
وزرر سروال «البيجامة»، ثم رفع الفأس. وكانت - ككل الفئوس التي في عزبته - جافية فظة لها حد عريض ورأس غليظ. وأنزل البيه الفأس فنزلت على طول حافتها فلم تغر في الأرض قليلا أو كثيرا.
وحاول عم عبد الله أن يتنحنح فلم يستطع، وقنع بأن يقول في صوت يريد كتمه وابتسامة كبيرة تطل منها سنتاه الطيبتان: مش كده لا مؤاخذة يا بيه، لا مؤاخذة اعوجها شوية.
نامعلوم صفحہ