79

ارخص لیالی

أرخص ليالي

اصناف

وجاءه الرد من بين ساقي البيه وقد انحنى وظهره إليه: اسكت أنت، أنت مالك.

وارتقعت الفأس، وهوت وقد اعوجت إلى ناحية. وغورت في الأرض هذه المرة. وسر البيه، وتحمس، ورفعها بسرعة وأنزلها، وأخذه الحماس.

ووقف عم عبد الله يتفرج غير مرتاح، فقد كانت هذه أول مرة يرى فيها البيه منحنيا، ويرى فيها سترة «بيجامته» وقد تهدلت، وتهدل ما تحتها، فبان جلده أبيض كاللبن الحليب. ولم يطل حرجه فسرعان ما انفرج فمه، وهز رأسه وتوقف لبرهة، ثم عاد يبتسم ويكاد يضحك ويهز رأسه من جديد.

وتنبه عم عبد الله بعد مدة أن وقفته خلف البيه فيها شيء من قلة الذوق فتحرك ليواجهه. وأدرك وهو يدور أن البيه ولو أنه لم يخبط إلا بالكثير عشرين خبطة، قد تعب، فالفأس كانت تغيب حتى يقتلعها من الأرض، وتغيب حتى يقتلعها من الهواء . ولم يعجب عم عبد الله أبدا حين أصبح أمام البيه، فألفى وجهه قد صار قطعة من الدم، والعرق يسيل بحورا فوق حمرته، ورأسه لا يقل دما وبحورا عن وجهه، والقبعة كان قد ضاق بها فرماها، وأنفاسه تلهث وهي تسابق بعضها البعض.

وضيق عم عبد الله جفونه الأربعة، وانكمشت التجاعيد في وجهه فاتسعت زميلاتها عند جبهته، واتخذت سيماه طابع الجد. وتقدم خطوتين فأصبح أمام البيه تماما، وقال وهو ينحني ويمد يده ناحية الفأس: عنك يا سعادة البيه، عنك، ودا كلام.

وتسمر في مكانه حين جاءه جواب البيه كالرعد: اوعى، امشي.

ولم يكن لديه وقت ليمشي فيه أو يختفي، وكذلك ما كان لديه وقت يستغرب فيه من لهجته؛ فقد رفع البيه الفأس وهو ينتزع النفس بكل قواه، ثم تعلقت الفأس فوق رأسه لا تريد أن تهبط، وشيئا فشيئا تراخت يده، وقذف بالفأس إلى ناحية، وجلس مرة واحدة.

ولم يستطع الصبر على جلسته، فمدد جسده غير حافل بخشونة الأرض وما فيها من قلاقل وطوب، وعثرت أصابعه الممتدة في كل اتجاه على شجيرة ياسمين نابتة، فاقتلعها وهو يجاهد ليملأ رئتيه بالهواء.

وكان عم عبد الله في ذهول تام، فالذي حدث كان كثيرا عليه أن يواجهه، أو يصنع شيئا حين يواجهه. وكان لا يمكن أن يصدق أن العشرين خبطة التي خبطها البيه ممكن أن تفعل مثل هذا في بني آدم.

وذهل أكثر حين لهث البيه ونفس يحييه ونفس يميته. - آه، ياه ... هنا ... قلبي.

نامعلوم صفحہ