وراء النقص في الإيمان بيوم القيامة ومن عدم الاطمئنان بعالم الآخرة . لو أننا آمنا بعالم الآخرة والحياة الأبدية ، عشر اطمئناننا بالحياة الدنيوية وعيشها ، وعشر إيماننا بحياة هذا العالم وبقائه ، لتعلقت قلوبنا بذلك العالم أكثر ولعشقناه ، ولسعينا قليلا في إصلاح الطريق وترميمه . ولكن المؤسف أن إيماننا بالآخرة قد نضب في القلب ، وأن يقيننا متزلزل ، فنضطر إلى أن نخاف من الموت والفناء والزوال . وعليه ينحصر العلاج الحاسم في ادخال الإيمان إلى القلب عبر التفكير والذكر النافع والعلم والعمل الصالح .
وأما خوف وكراهة المتوسطين ، للموت ، أي الذين لا يؤمنون بعالم الآخرة ، فلأن قلوبهم انشدت إلى تعمير الدنيا ، وغفلت عن تعمير الآخرة ، ولهذا لا يرغبون في الانتقال من مكان فيه العمران والازدهار إلى مكان فيه الدمار والخراب . كما ذكر ذلك أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه ، وهذا أيضا ناتج من نقص في الإيمان والاطمئنان . وأما إذا كان الإيمان كاملا ، فلا يسمح الإنسان لنفسه أن يشتغل بأمور الدنيوية المنحطة ويغفل عن بناء الآخرة .
وملخص الكلام أن كل هذه الوحشة والكراهية والخوف ، تكون نتيجة بطلان أعمالنا ، واعوجاج سلوكنا ومخالفتنا لمولانا ، في حين أنه إذا كان نهجنا صحيحا وكنا نقوم بمحاسبة أنفسنا لما إستوحشنا من الحساب يوم القيامة ، لان المحاسبة هناك عادلة ، والمحاسب يكون عادلا ، فخوفنا من الحساب لأجل سوء أعمالنا وتزويرنا واحتيالنا ، وليس من أجل المحاسبة .
ففي الكافي الشريف نسبة إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام قال : «ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم ، فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه» (1) .
فلو تحملنا محاسبة أنفسنا ، لما واجهنا صعوبة في موقفنا يوم الحساب ، ولما دخل علينا الخوف والفزع . وهكذا كل المهالك والمواقف في ذلك العالم نتيجة أعمالنا في هذا العالم .
مثلا : إذا انتهجت في هذا العالم صراط النبوة ، والطريق المستقيم للولاية ، ولم تنحرف عن محجة ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ولم تنزلق أقدامك ، لما كان عليك بأس حين اجتيازك على الصراط يوم القيامة . لأن حقيقة الصراط هي الصورة الباطنية للولاية . كما ورد في الأحاديث الشريفة أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الصراط . وفي حديث آخر : نحن الصراط المستقيم (3) وفي الزيارة المباركة الجامعة الكبيرة «أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم» (4) . فمن كان على هذا الصراط مستقيما في حركته في الحياة الدنيا ، ولم يضطرب قلبه لما اضطربت أيضا أقدامه على الصراط في الحياة الآخرة ، وإنما يجتازه كالبرق الخاطف . وهكذا إذا كانت الاربعون حديثا :331
صفحہ 330