فهز كتفيه في سخرية، وكتم ألم لذعة قاسية في فؤاده، وقال دون اكتراث: «م. بك» أو غيره! إنها أسماء مشى في ركابها الحظ!
وقال الأستاذ سعيد، وهو أشد زملائه عناء منذ الدراسة: أسماء إيه يا أستاذ رضوان؟ إنها كفاءة، وذكاء، وماض جبار ...
ولم يشأ أن يخرج نفسه من الجو الذي تهيأ له ويدخل في مناقشات لا حد لها، إنه يعرف سعيدا، ويعرف لحاحه في المناقشة؛ لذلك صمت، ولم يقل شيئا، وتأبط حافظته، ويمم شطر قاعة الجلسة.
وخرج الأستاذ رضوان بعد ساعة واحدة، ساعة واحدة أسلم فيها حرية موكله إلى السجان. خرج ثائرا غاضبا، ولكنه تمالك نفسه حين رأى صديقه سعيدا أمامه وجها لوجه، قال سعيد وهو يرسل ابتسامته الصافية: خيرا يا أستاذ رضوان؟ ماذا فعل الله بخصمك المسكين؟
وكتم غيظه من سخرية زميله، وقال متصنعا عدم الاكتراث: المتهم معترف، والأدلة بعدد شعر رأسه، ماذا كنت أفعل؟
لقد كنت أعرف أنها قضية خاسرة، لكن ما ذنبي؟ إن الأستاذ وحيد - الذي أتمرن عنده - جشع لا يهمه إلا الأتعاب!
ولم يشأ أن يقول لصديقه إنه هو - وليس أستاذه - الذي ألح في قبول القضية، ولم يشأ أن يذكر أنه بذل لموكله المسكين من الوعود والأماني ما جعله يلج قفص الاتهام، وكأنه يخطر في حديقة!
لكنه مع ذلك عاد فرحا إلى داره؛ لقد أرضى نفسه وكبرياءه؛ ألم يسدد الطعنة الأولى؟ ألم يهاجم خصمه الكبير وجها لوجه؟ إنها الجولة الأولى، وبعدها جولات ... ولسوف ينتصر ذات يوم!
وهكذا مضى الأستاذ رضوان في حياته العملية ... كانت نفسه تفيض بالطموح والأطماع، وكان عقله مكبلا بالأوهام، وكان قلبه غارقا في لهب مستعر، يئز في صدره باستمرار ... إنه ليس أقل من أي عظيم شأنا ولا مواهب ...
وشاء حظه العاثر أن يصرفه عن نفسه، فلم يعن بأن يتحسسها مرة واحدة ليدرك صدق ما تنطوي عليه. مضى يخبط في الحياة وفي الناس ... وظن مجده في انهيار غيره، فمضى يهدم بلا حساب ... وطاشت ضربة من معوله ذات يوم، فحطمت - بين ما حطمت - كل مثل أعلى وكل مبدأ، وتلفت حوله فلم يجد غير نثار وأشلاء ... هذه سمعة عظيم، وتلك فضيحة صديق، والأخرى مواهب نابغة، والرابعة كفاءة سياسي!
نامعلوم صفحہ