فاغتبط إبراهيم بهذه الهدية الحسناء.
الفصل الثاني
الطموح
كان إبراهيم بن المهدي من أنبغ رجال عصره في الغناء والموسيقى، وكان مجددا مبتكرا، ممتازا بطرائق التجديد والابتكار، ينتقد القديم وأنصاره، ويندد بزعمائه وفي رأسهم إسحق الموصلي. ومع أن أمه «شكلة» - بكسر الشين وسكون الكاف - من أب أعجمي يدعى «شاه افرند.» فقد كان إبراهيم أديبا عربيا صميما، خطيبا مصقعا، شاعرا راوية. ولم يكن في لهوه وترفه مستهترا متبذلا. وكان يناظر إسحق في فن الغناء، ويأخذ عليه تعصبه للقديم، فإذا حاجه إسحق في بعض مستحدثاته قال: أنا ملك أغني كما أشتهي!
وقد بقيت الخصومة بينه وبين إسحق في عهود الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم. وكان إبراهيم زعيم المجددين، بينما كان إسحق زعيم المحافظين، وعرفت طريقة الأول بالغناء الحديث، وطريقة الثاني بالغناء القديم.
وكان إسحق الموصلي زعيما في فنه وابن زعيم فيه، وهو إبراهيم الموصلي، وقد اختصا بآل عباس. وكان إسحق يكنى «أبا محمد» ثم كناه الرشيد «أبا صفوان.» وأمه أعجمية من أهل الري تدعى «شاهك».
1
وقد درس علوم اللغة والأدب على الكسائي والأصمعي وأبي عبيدة وغيرهم. وكان فن الغناء - على علو مكانته فيه - أقل ميزاته. وقد وضع أربعمائة لحن من أجود الألحان.
ومات هارون الرشيد وقام النزاع بين الأمين والمأمون على الخلافة، فلم يزج إسحق بنفسه في هذا الخلاف، بل بقي في «بغداد» لخدمة الفن والأدب.
غير أن إبراهيم بن المهدي كانت تنازعه ثورة نفسية منذ مات أخوه الرشيد؛ فكان يرى أنه أحق بالخلافة من الأمين والمأمون، وما دام أبو جعفر المنصور تولى الخلافة بعد أخيه أبي العباس، وما دام الرشيد تولى الخلافة كذلك بعد أخيه الهادي، فلماذا لا يتولاها هو بعد أخيه الرشيد؟ وبأي حق يعهد الرشيد لابنيه بالخلافة من بعده وهما لا يمتازان عنه في شيء؟ بل كان يرى أنه يمتاز عنهما في كل شيء - كان يمتاز عنهما في الأدب واللغة والفن وعلوم الدين، ويمتاز عن الأمين بالفقه والرواية والفصاحة، ولم يكن مغرقا مثله في اللهو مسرفا في اللذائذ والشراب. فكان يتمنى الخلافة ويشعر بثورة في نفسه من أجلها، ولكن التمني والكفاية ليستا طريق الملك والسلطان، بل إن لهما سبلا أخرى. وقد صار لكل من الأمين والمأمون قواد وجنود وأموال، أما هو فليست له هذه القوى، فليبتعد حينا من الزمان وليكبت طموحه عن كل إنسان، وليخف ثورة نفسه حتى تسنح الفرصة ويحين الأوان.
نامعلوم صفحہ