امین ريحانی: ناشر فلسفہ شرق بلاد میں مغرب
أمين الريحاني: ناشر فلسفة الشرق في بلاد الغرب
اصناف
على أن هناك اليوم نفرا من الأدباء؛ أدباءنا، يحاولون تجريد الشعر من الحقائق فينسجونه خيالا، وينظمونه أوهاما وآمالا، وكأنك في مثل أدبهم في عالم علوي، بل وهمي لا صلة له بالأرض وبحياتنا الدنيا. وهذا الأدب إذا استولى على أمة أمات فيها الإرادة للعمل، والإقدام على العمل، والقوة في العمل. ونحن - الشرقيين - في حاجة شديدة إلى ما يدفعنا إلى العمل، ولا يبعدنا من الشعر، والمرأة الشرقية بالأخص في حاجة أشد إلى ما يحملها على التفكير على الخروج من وكر الخمول إلى العمل، دون أن يقتل فيها الفضائل النسائية الشريفة. وإني أرى في أدب الآنسة مي ما يحقق من هذا القبيل كبير الآمال.
3 (5) الحفلة الخامسة في دار الجامعة الأمريكية
كانت حفلة الثلاثاء «14 فبراير سنة 1922» في دار الجامعة الأمريكية من أكبر الحفلات الأدبية التي شهدتها عاصمة الديار المصرية، تبارى فيها فرسان البلاغة في تكريم الشاعر الناثر أمين أفندي ريحاني، بل كانت من أعظم الأدلة على أن جامعة اللغة أشد الجوامع ربطا للنفوس؛ لأن اللغة مستودع تاريخ الناطقين بها - الأخلاقي والأدبي والعلمي والسياسي - وبألفاظها تهتز دقائق الدماغ وأوتار القلوب.
وقد تجلى ذلك بأجلى بيان في هذه الحفلة، فخلنا أنفسنا في سوق عكاظ، وقد أضيفت إليه نار الحماسة التي أوقدها تضارب المصالح بين الشرق والغرب، ومطالب المدنية الحديثة التي نشأت أصولها في هذا القطر، ثم انتقلت إلى الغرب انتقال الشمس. وكان ذلك البهو الواسع يدوي بتصفيق الحضور المتوالي كلما ذكر الشعراء والخطباء معنى مبتكرا، أو أشاروا إلى النهضة الوطنية الحديثة ولو إشارة طفيفة.
وقد لبى الدعوة - التي وزعت بإمضاء حضرة الأستاذ لطفي جمعة - إلى هذه الحفلة جمهور كبير من العلماء والفضلاء، وكبار الموظفين والأعيان، والمحامين والأطباء والمهندسين والأدباء وغيرهم، وبعض السيدات المصريات والسوريات، حتى ازدحم بهم ذلك البهو على سعته. وجلس في صدر المكان على منصة الخطابة حضرة المحتفل به، وإلى يمينه ويساره حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة والعزة: السيد عبد الحميد البكري، والشيخ محمد بخيت، والشيخ محمد شاكر، وحمد باشا الباسل، وواصف بك غالي، والأمير ميشيل بك لطف الله، والدكتور صروف.
وافتتح الحفلة حضرة الأستاذ لطفي أفندي جمعة بخطبة بليغة استرعى بها سماع المحتفلين، وخلب ألبابهم بما نثر عليهم من المعاني الحسان، ودلائل الغيرة الوطنية الجامعة لقلوب الناطقين بالضاد، مرحبا بالضيف الكريم ترحيب من طالع كتبه واستشعر روحه، وقال: إننا نحتفل به لفضله وعلمه وجهاده المجيد في إعلان فضل الشرق في الغرب.
ثم ذكر أسماء الذين كرموا في مصر من أفاضلها وشعرائها، وقال: ليست هذه بالمرة الأولى التي يكرم المصريون فيها النابغين. ووصف المحتفل به بما هو أهله، وقال: إنني قصدته وتعرفت به عند زيارته لهذا القطر منذ عشرين عاما، وكان أجرد أمرد لم ينبت الشعر في عارضيه بعد، بعينين حادتين، وأنف أقنى، وكيان صغير، وهو يتقد ذكاء وفطنة، فخيل لي وقتئذ أنه فرخ النسر، وأنه يتحفز للطيران. وقد كان من أمره بعد ذلك ما كان، فطار وحلق وحلق وحلق.
ثم أفاض في ذكر مؤلفاته وخدماته الجليلة في الشرق بقلمه، ووصف نثره ونظمه وصفا استرعى الأسماع، وتكلم عن مؤلفه الذي نشر فيه فضل المعري في الغرب، ونقل إلى لغة أهله بأفصح بيان حكمته وفلسفته، وكيف وثب وثبة الأسد للدفاع عنه، وتسفيه آراء حساده ومنتقديه، إلى ذلك من درر الألفاظ والمعاني؛ فوقعت أقواله وقعا عظيما في النفوس، وصفق له الحاضرون مرارا وتكرارا.
ثم تلا على الحاضرين تلغرافا من صاحب السعادة شوقي بك، يعتذر فيه عن الحضور باعتلال صحته، ويعد بإرسال تحية إلى المحتفل به.
وتلغرافا آخر بالاعتذار من حضرة صاحب العزة عرفان باشا.
نامعلوم صفحہ