البير کامی: محاولة لدراسة فکرہ الفلسفی

عبد الغفار مكاوي d. 1434 AH
79

البير کامی: محاولة لدراسة فکرہ الفلسفی

ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي

اصناف

الوعي في رواية «الوباء». (أ) الوعي في مسرحية «حالة حصار»

تصور هذه المسرحية سكان المدينة الإسبانية كاديز الذين يعيشون حياتهم الطبيعية الخصبة فاقدي الوعي مسلمين بها تسليما لا يقبل المناقشة، في ظل نظام تقليدي عاجز لا أثر له، يمثله الحاكم والقاضي والكنيسة. وذات يوم ينشب الوباء مخالبه في جسد المدينة، فيفرض عليها نظاما بيروقراطيا جامدا مجردا كأنه القدر. ويحطم الوباء حياة المدينة كما حطم طغيان كاليجولا مدينة روما؛ فيشل الوجدان، ويقتل الحرية والحب والمغامرة. وتصبح العدالة انتقاما، والحب كرها، والشرف جبنا، وينقطع تيار الحوار الإنساني الذي يعبر به البشر عن مخاوفهم وآلامهم، عن أحزانهم وأفراحهم، عن أسئلتهم وأجوبتهم. ويسود حكم الصمت؛ أعني حكم المونولوج. ويظل هذا الحكم سائدا حتى يتشجع الطالب والعاشق الشاب دييجو فيصرخ صرخة الاحتجاج والتمرد، وينزع القناع عن وجهه، ويحرر سكان المدينة من خوفهم، وينقذ حبه، بعد أن يدفع حياته ثمنا له.

إن التمرد على المحال (ممثلا في صورة الوباء) يتجسد في شخصية دييجو. إنه يزيل أكوام الكسل والخوف وعدم الاكتراث، ويؤجج شرارة الحياة والقوة والحرية في نفوس سكان كاديز. لقد سقط شعب كاديز ضحية نظام سلبي مجرد ، كما حدث من قبل لحاشية كاليجولا ولسكان مدينة أوران (في رواية الوباء). وكان يكفي أن يقهر واحد منهم خوفه من الموت لكي يصل إلى درجة من الوعي تندلع منها شرارة التمرد. تقول سكرتيرة الوباء: هل ما زلت تحس بالخوف؟ فيجيبها دييجو قائلا: لا. وترد عليه السكرتيرة قائلة: إذن فلست أملك شيئا ضدك.

34

إن «دييجو» غاز كذلك الذي تحدثنا عنه في «نماذج المحال»، يتغلب على الموت في نفسه وفي نفوس من يشاركونه في الحياة والمصير، لا عن غرور أو كبرياء، بل عن وعي بموقفه اليائس الذي لا مخرج منه، الذي يزيد فيه الموت من وطأة الظلم.

35

إن المتمرد الشاب دييجو لا يريد أكثر من أن يكشف لسكان مدينته عن معنى قدرهم الذي خلا من كل معنى. إنه يريد أن يوقظ حياتهم التي غاصت في السلبية واللاوعي، وعدم الاكتراث. تمرده دعوة إلى الوعي الناصع بالمحال، وحث لهم على تحديه وجها لوجه، والتصدي له وعدم الهروب منه؛ فتعليم الناس أن كل شيء محال معناه في الوقت نفسه التمرد على حكم الوباء، والتغلب عليه في الوجدان قبل الانتصار عليه في الواقع؛ ذلك لأن الوباء سيظل يفرض سلطانه المتعسف المجرد ما بقي الناس في كاديز ينعمون في سبات من فقدان الوعي. وهو يستطيع أيضا أن يحافظ على سلطانه لو استيقظ الناس من نعاسهم واختاروا العدمية الميتافيزيقية (التي تتمثل في شخصية نادا، ومعناها العدم في الإسبانية) موقفا لهم.

ليس فقدان الوعي مجرد نقص في درجة الوعي بقدر ما هو نقص في الوعي بمحالية العالم وعدم جدواه. إنه يمثل ذلك الأفق الضبابي الغائم الذي تدور فيه كل المغامرات الميتافيزيقية العدمية (مثل الانتحار الذي تقدم عليه مارتا وأمها، ومثل القتل بالجملة الذي يأمر به كاليجولا وينظمه الوباء)؛ ولذلك نستطيع أن نسمي الانتحار، الذي يرفضه كامي في «أسطورة سيزيف» ويسميه بالهروب والنكوص ، نقصا في الوعي الناصع بالمحال. إن كل نقص في نصوع الوعي فهو في الوقت نفسه نقص في الوعي الناصع بالمحال، وبالتالي عقبة تحول دون التمرد. إن نصوع الوعي بالمحال شرط للتمرد، كما أن التمرد نفسه شرط لنصوع الوعي. (ب) الوعي في رواية (الوباء)

يحس سكان المدينة الجزائرية البائسة أوران، كما يصفهم لنا راوية الوباء الطبيب ريو، إحساسا ضئيلا بالواقع. إنهم لا يشعرون بالخير ولا بالشر، وهذا ما يسمح للوباء بأن ينتشر بينهم، ويتمكن شيئا فشيئا من نفوسهم وأبدانهم. إنه ينظم الشر في الحياة الإنسانية حتى يصبح نظاما متماسك البنيان، يقوم على العذاب، والموت، والفراق، والخوف، والوحدة. وهو يدمر كل ما هو خير في هذه الحياة؛ الحرية والأمل والتعاطف والحب. ويزحف فتستسلم له المدينة التي استسلمت قبله لحالة من السلبية وفقدان الوعي. وينتشر مملا كالتجريد

36

نامعلوم صفحہ