البير کامی: محاولة لدراسة فکرہ الفلسفی
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
اصناف
19
والتي تنبع من التعاسة المتصلة.
بقي مرسو حياته وحيدا غارقا في وحدته. لم يستيقظ إحساسه بوجود الآخرين إلا وهو على عتبة الموت. إنه الآن يفكر في أمه، التي اتهموه بأنها لم يحبها، كما يفكر في الناس، الذين سيموت بينهم. إن أقصى ما يتمناه اليوم، لكي يقل إحساسه بأنه وحيد، أن يرى في طريقه إلى المقصلة عددا كبيرا من المتفرجين «يستقبلونه بصرخات الحقد».
20 (د) منطق المحال عند كاليجولا
تتجسد في شخصية كاليجولا، في مسرحية كامي المعروفة بهذا الاسم، تجربة الإنسان الذي يملك القوة التي تمكنه من أن يحول منطقه المحال إلى واقع فعلي؛ فالمحال عنده ليس مجرد شعور أو عاطفة، بل فكرة فلسفية تسيطر على كيانه. لقد اكتشف كاليجولا فجأة، على أثر وفاة شقيقته أو حبيبته درزيللا، أن العالم محال. هذا الاكتشاف الذي توصل إليه يلخصه في هذه العبارة: «الناس يموتون وهم ليسوا سعداء.»
21
حقا إن الناس لا يعلمون شيئا عن هذه الحقيقة البالغة البساطة والوضوح، الحمقاء إلى حد ما. غير أن كاليجولا يملك «الوسائل» التي يستطيع بها أن يجبرهم على أن يعيشوا فيها.
كاليجولا يرى أن العالم محال، وأن كل شيء قد خلا من المعنى والغاية. وحيث لا يكون لشيء من معنى، يصبح كل شيء سواء (فعظمة روما تتساوى لديه مع أوجاع النقرس التي يحس بها رئيس البلاط في قصره)، كما يصبح كل شيء مباحا. والذي يبيح لنفسه كل شيء يتوهم أنه حر من كل شيء. وهنا تكمن حرية كاليجولا الفاسدة؛ حريته في أن يجعل المستحيل ممكنا، أن يقبض على القمر بيديه، ويأمر الشمس أن تغرب في الشرق، ويمنع الناس من أن يموتوا. هذه الحرية المستحيلة التي لا تعرف حدودها تجعله يقول: «أنا الحر الأوحد في الإمبراطورية الرومانية بأسرها.»
22
وهي التي تجعل التعسف يحكم في مكان القانون. إن القوة التعسفية هي الوسيلة الوحيدة التي يريد بها كاليجولا أن يوقظ الناس من سبات عاداتهم ويضعهم وجها لوجه أمام مصيرهم. ولقد كان في الإمكان أن تكفي هذه القوة في إيقاظ الوجدان لو أنها تقيدت بالحدود التي وضعها لنفسه الإنسان الذي يعيش في المحال؛ أعني لو أنها تقيدت بحدود الممكن وحده دون أن تحاول أن تتعداها. كان في استطاعة هذه القوة المتعسفة أن توقظ وجدان الناس، ولكنها ما كانت لتستطيع أن تحقق ما يريده منها كاليجولا، ولا أن تسير مع منطقه إلى نهايته.
نامعلوم صفحہ