البير کامی: محاولة لدراسة فکرہ الفلسفی
ألبير كامي: محاولة لدراسة فكره الفلسفي
اصناف
فقولنا مثلا إن «جوته شاعر من شعراء العاصفة والاندفاع»،
20
وقولنا إنه «ليس شاعرا من شعراء العاصفة والاندفاع». وقولنا إن «الحصان أبيض» أو إنه «ليس بأبيض» أمثلة مختلفة لأحكام لا تحتوي على تضاد ولا انفصال حقيقي؛ ولذلك فكلاهما فاسد من وجهة النظر المنطقية الخالصة؛ فالقضية الأولى تنطبق على جوته في مرحلة من مراحل تطوره العقلي والفني، ولكنها لا تنطبق عليه في مرحلته الكلاسيكية أو مرحلة شيخوخته المتأخرة. وكذلك الشأن في القضية الثانية؛ فالحصان قد يكون أبيض في الجبهة، أسود الساقين، بحيث يمكن القول عنه إنه أبيض وأسود في وقت واحد. غير أننا لو توخينا الدقة لوجدنا أن هناك أوصافا معينة بذاتها أو أضدادها هي التي يمكن لها وحدها أن تطلق على شيء معين في نقطة مكانية وزمانية بعينها. وهنا لا بد من اتباع مبدأ التفرد بكل دقة وتحديد الواقع المكاني والزماني تحديدا تاما لكي يمكن التحقق من القضية التي نقولها عنهما بعد ذلك؛ فجوته في مثالنا السابق يمكن في مرحلة زمنية معينة أن يكون شاعرا من شعراء العاصفة والاندفاع أو لا يكون، كما يمكن للحصان في نقطة معينة من جسمه أن يكون أبيض أو أسود، ولكنه لا يمكن أن يحتمل الاثنين معا في آن واحد ومن جهة واحدة.
وإذن فمبدأ الثالث المرفوع يصلح لأن يطبق على الأحكام المتضادة بحق (مثل أ هي ب، وأ ليست هي ب) لا على الأحكام المتقابلة تقابلا عكسيا بحيث يمكن أن يكون كلا الحكمين فاسدين في وقت واحد، كما يمكن أن يقوم بينهما حكم ثالث. وإذن فالاعتراضات التي يوجهها بعض الرياضيين والمناطقة إنما تنطبق على الفصل
Disjunktion
الفردي لا على مبدأ الثالث المرفوع بما هو كذلك. (ه)
ما أهمية هذه القيمة الثالثة التي تحدثنا عنها إذن، والتي لا ينطبق عليها الصدق ولا الكذب، وقد تكون مع ذلك صادقة وكاذبة في وقت واحد، هذه القيمة التي نطلق عليها أوصافا مختلفة، فنصفها حينا بأنها تلك التي لا يمكن البرهنة عليها أو تحديدها، ونصفها حينا آخر بالمحال؟ الواقع أن هذه الكلمات إن كانت قد احتفظت حتى الآن بمعنى حدسي يزيد على طابعها التقليدي، فإنها لا تدل في الواقع على قيمة منطقية، بل على استحالة التوصل في بعض الأحوال إلى تحديد دقيق للقيمة المنطقية، فهل يجوز لنا أن نجعل من افتقاد القيمة المنطقية قيمة؟ ربما كان هذا الحل مريحا من الناحية الشكلية الخالصة، ولكنه لن يغير من الموقف الأصلي في شيء؛ فهذه القيمة الثالثة تدل في حقيقة الأمر على العجز عن تقرير الصدق أو الكذب في أحوال معينة. إنها تعبر، كما قلنا من قبل، عن موقف لم يقطع فيه بشيء، وفي مثل هذا الموقف لن يكون مبدأ الثالث المرفوع هو المبدأ الوحيد الذي لا بد من طرحه والاستغناء عنه، بل إن القدرة على المعرفة هي نفسها التي ستتعطل وتصاب بالبلبلة أو الجمود.
21 (و)
لا يمكن أن يكون مبدأ الثالث المرفوع مبدأ خاطئا. ومع ذلك فقد يكون من واجبات المعرفة في لحظة من لحظات تاريخها أن تسمح على الأقل في بعض الظروف بوجود قيمة ثالثة إلى جانب قيمتي الصدق والكذب أو التأكيد والنفي لقضية من القضايا. ولا يصح أن يؤدي هذا الاستثناء إلى طرح مبدأ الثالث المرفوع. إنها تبين حدوده وحسب. فمثال المعرفة، الذي يجد التعبير عنه في هذا المبدأ المنطقي، لا يصح النيل منه أو الانتقاص من شأنه. إن عليه أن يحتفظ بكل ما فيه من دقته وإحكامه. ومع ذلك فإن من الواجب أن نضيف أنه ينبغي تطبيقه بحذر، وأن الفكر ليس قادرا على تطبيقه في جميع الأحوال. ولقد اعترف بذلك أحد المناطقة التقليديين أنفسهم، وهو برادلي؛ حيث يقول: «إن مبدأ الثالث المرفوع على الرغم من أهميته وضرورته، ليس صادقا صدقا مطلقا. إنه يفترض عالما منفصلا يتألف من وقائع غير مترابطة، وحقيقته نسبية ومقصورة على الواقع كما هو ماثل في مثل ذلك العالم.»
22 (ز)
نامعلوم صفحہ