ولمح أولى دلائل الحياة في بريق لمع من عينيها، وهي تقول: في المدرسة. - إيه؟ - بتروح المدرسة، وبتطلع الأولى ... دي بنت شاطرة قوي تعجبك. - وبتصرفي عليها منين؟ - ربك ما ينساش عبيده.
وسألها وقد انتابه بعض الضيق: ومودياها المدرسة ليه؟ إنت ناقصة؟
وازداد البريق في عينيها الخابيتين وهي تقول: عايزاها تطلع دكتورة.
وأعقبت إجابتها بسرب من الضحكات الخليعة الميتة.
وتمتم في سره: جتك نيلة.
وفي نفس الوقت عثر على السبب الذي من أجله كان يردد أسئلته التي بدت له سخيفة لا معنى لها، ولا ليس وراءها طائل. كان عقله حتى تلك اللحظة يضرب أخماسا في أسداد، ويفكر فيما يفعله من أجلها، فهو لا يستطيع إدخالها المستشفى؛ فليست هناك أسرة خالية، ولا يستطيع رفع الرقابة عنها؛ فليست له السلطة، وليس لها بيت.
وقلب الأوراق التي أمامه بيد غير مستقرة، وتمتم وكأنما يحدث نفسه: طب وح اعملك إيه بس؟
وفوجئ بصوتها الهادئ يخترق حيرته كاليد الجريئة العابثة، ويقول: لا تعمل لي ولا أعمل لك. اديني الأجازة وخلاص.
وحملق فيها وكأنه يرى شبحا من الأشباح. وبدا له كأن المرأة مارد سيبتلعه، وأحس بضيق، وتبدلت لهجته فجأة، وأظلمت ملامحه، وقال: طب اخرسي انت.
وأمسك بالقلم، وحركه في الهواء مرات قبل أن يكتب الجملة التي لا يملك غيرها:
نامعلوم صفحہ