Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq
الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق
اصناف
عظم مصيبة موت النبي ﷺ
عاش الصحابة في سعادة لمصاحبته ورؤيته والسماع منه والانصياع له ﷺ، عاشوا على ذلك فترة من الزمان، حتى أذن الله ﷿ برحيل الحبيب ﷺ عن دار الدنيا إلى دار الخلد في جنات النعيم، إلى الرفيق الأعلى، إلى راحة لا تعب فيها ولا نصب ولا وصب، ورسول الله ﷺ بشر، والبشر يموتون، ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾ [الزمر:٣٠].
ومع يقين الصحابة بذلك وثقتهم من بشريته ﷺ إلا أنهم ما تخيلوا أن ذلك الموت سيحدث حقيقة، إنها فتنة عظيمة، ومصيبة كبيرة وبلاء مبين، فلم يصدق الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا كان رسول الله ﷺ قد مات حقًا فكيف الحياة بدونه؟ ووراء من يصلون؟ وإلى نصح من ينصتون؟ من يعلمهم؟ ومن يربيهم؟ ومن يبتسم في وجوههم؟ ومن يرفق بهم؟ ومن يأخذ بأيديهم؟ إنها كارثة وأي كارثة؟ وأظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم كل شيء فيها، ليس الصحابة فقط بل نخيل المدينة وديار المدينة وطرق المدينة ودواب المدينة، فإذا كان جذع النخلة قد حن لرسول الله ﷺ لما فارقه ليخطب من فوق المنبر بدلًا منه حتى سمع الصحابة لجذع النخلة أنينًا، وحتى جاء رسول الله ﷺ فمسح بيده على الجذع حتى سكن، إذا كان الجذع فعل ذلك ورسول الله ﷺ فارقه إلى منبر يبعد عنه خطوات معدودات فكيف بفراق لا رجعة فيه إلى يوم القيامة؟ فالصحابة ماذا يفعلون؟ أتطيب نفوسهم أن يهيلوا التراب على رسول الله ﷺ؟ لقد تقطعت قلوب الصحابة، وتمزقت نفوسهم، وتحطمت مشاعرهم.
يقول أنس بن مالك ﵁: (ما رأيت يومًا قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله ﷺ، وما رأيت يومًا قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله ﷺ.
فهذه المصيبة أذهلت عقول الأشداء من الرجال، وأذهلت ألباب الحكماء منهم، فاحتاروا جميعًا، حتى وقف عمر بن الخطاب ﵁ وما أدراك ما عمر بن الخطاب في عقله ورزانته وحكمته وإلهامه وقف وقد أخرجته الكارثة عن وعيه يقول: إن رجالًا من المنافقين يزعمون أن رسول الله ﷺ توفي، وإن رسول الله ﷺ ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات، والله ليرجعن رسول الله ﷺ فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات.
إذا كان عمر كذلك فكيف بغيره من الصحابة؟ قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ﵁ ابن عم رسول الله ﷺ في هذه المصيبة: لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروج به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ماسالت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا تخشى ضلالًا علينا والرسول لنا دليل ثم يخاطب السيدة فاطمة ﵂ فيقول: أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول ﷺ يقول أنس بن مالك ﵁: لما قبض رسول الله ﷺ أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.
6 / 3