Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq

Ragheb El-Sergany d. Unknown
105

Al-Sahib and Caliph Abu Bakr Al-Siddiq

الصاحب والخليفة أبو بكر الصديق

اصناف

معنى الأحاديث التي تشير إلى استخلاف الصديق وهنا وقفة و السؤال هل كانت كل هذه الإشارات والمواقف والأحاديث من رسول الله ﷺ فقط لحفظ حق الصديق ﵁ وأرضاه في الخلافة، أم أن مصلحة المسلمين الفعلية تقتضي في المقام الأول أن يكون الصديق هو الخليفة؟ والإجابة على هذا الأمر هي: أن الأمرين معًا كانا مقصودين: الأمر الأول: حفظ حق الصديق ﵁ وأرضاه؛ لفضله ومكانته وقدراته وكفاءاته، ولا يجب أن يولى غيره في وجوده. الأمر الثاني وهو الهام جدًا: أن مصلحة المسلمين الفعلية كانت في استخلاف الصديق ﵁ وأرضاه دون غيره من الناس. فكان اختيار الصديق خليفة بعد رسول الله ﷺ رحمة بالأمة ومصلحة كبرى لها؛ وذلك لأسباب عديدة أذكر منها ثلاثة: أولًا: تحتاج الأمة أن تسير في نظام هو أشبه ما يكون بحياة رسول الله ﷺ؛ لأن التغيير في نمط الحياة في الإدارة والمعاملة قد يؤدي بالأمة إلى هاوية خطيرة، فحتى إن كان الشرع يسمح بآراء متعددة في قضية معينة فإن الانتقال من حياة معينة إلى حياة مختلفة يسبب الاضطراب عند الناس والتخبط وعدم توقع خطوات المستقبل، فـ الصديق ﵁ وأرضاه لطول صحبته لرسول الله ﷺ ولقدم العشرة من أول ما نزلت الرسالة على الرسول ﷺ ومرورًا بفترة مكة والهجرة وكل المشاهد والغزوات في المدينة لكل هذا كان يعرف كل دقائق حياة رسول الله ﷺ، وكان كثير الدخول عليه في بيته. وبالذات أن ابنته السيدة عائشة ﵂ هي إحدى زوجات رسول الله ﷺ، وكان حب الرسول ﷺ سببًا في كثرة اللقاءات بينهما، حتى إنه كثيرًا ما كان يذهب لرسول الله ﷺ بعد العشاء ليتبادل معه الرأي والمشورة في أمور كثيرة، هذا الاختلاط الكبير برسول الله ﷺ أطلع الصديق ﵁ وأرضاه على أمور كثيرة ما اطلع عليها غيره. ولذلك فقد كان يعلم ما لا يعلمه كثير من الصحابة الأجلاء، وفوق هذا الاطلاع على حياة الرسول ﵊ فإن الصديق قد تميز برغبة شديدة في اتباع خطوات رسول الله ﷺ واقتفاء آثاره قدر الوسع، ونحن تكلمنا في درس كامل عن اتباع الصديق ﵁ وأرضاه لخطوات رسول الله ﷺ. إذًا: الصديق امتلك الرغبة في الاتباع، وامتلك العلم الذي يؤدي هذه الرغبة، ومن ثم كانت حياته ﵁ وأرضاه تطبيقًا كاملًا لما أراده الرسول ﷺ، ولاشك أن هذا كان رحمة بالأمة. الأمر الثاني: كان اختيار الصديق ﵁ وأرضاه خليفة للأمة فيه مصلحة كبيرة أخرى وهي أن الأمة قد خرجت من مصيبة هائلة وكارثة مروعة وهي مصيبة وفاة رسول الله ﷺ وكارثة انقطاع الوحي، فتحتاج الأمة في هذه المصيبة إلى الرحمة لا الشدة، وإلى الرفق لا العنف، ومن أرحم بالأمة بعد رسولها ﷺ من الصديق ﵁ وأرضاه؟ لا نقول نحن ذلك بل قاله الرسول ﷺ، روى الإمام أحمد والترمذي وأبو يعلى عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر)، فرحمة الله ﷿ بهذه الأمة اقتضت أن يتولى أمورها أرحمها وهو الصديق ﵁ وأرضاه. الأمر الثالث: كانت مصلحة المسلمين تقتضي أيضًا أن يتولى أمورها أشد الناس ثباتًا وأرسخهم قدمًا فمن المؤكد أن الدولة ستواجه أهوالًا عظامًا وتحديات جسيمة، ومن المؤكد أن كثيرًا من التجمعات والأفراد سيطمعون في الأمة الإسلامية بعد وفاة رسولها ﷺ، فمن يقود السفينة في الأمواج المتلاطمة؟ ومن أشد الصحابة ثباتًا وعزيمة؟ ومن أكثرهم يقينًا في وعد الله بالنصر؟ ومن أعظم الصحابة غيرة على الدين؟ إنه الصديق ولاشك في ذلك. فقد ظهر ثباته من أول يوم مات فيه رسول الله ﷺ، وظل ثابتًا في كل المواقف والمشاهد والأهوال، وظل ثابتًا في الردة، وظل ثابتًا أمام فارس، وظل ثابتًا أمام الروم، ما لانت له عزيمة وما اهتز له جفن. روى البيهقي بسند صحيح -كما ذكر ابن كثير ﵀ عن أبي هريرة ﵁ قال: والله! الذي لا إله إلا هو لولا أبو بكر استخلف ما عبد الله، ثم قالها الثانية، ثم قالها الثالثة، يعني: كرر نفس الجملة ثلاث مرات، فقيل له: مه يا أبا هريرة؟! ومه كلمة تقال للزجر عن الشيء، يعني: أكثرت، وكفاك ما قلته، إنه لقول عجيب، فأخذ أبو هر

10 / 6