المطلب الثاني

طلب الإمام ابن حزم للعلم، ورحلاته، وآثاره العلمية

أولاً: طلبه للعلم :

ذكرنا في بداية نشأة الإمام ابن حزم أنه نشأ نشأة مُترفة في قصر أبيه الوزير بالزاهرة ، وفي هذا القصر تلقَّى أول مبادئ العلم في صِغَره، فحفظ القرآن، وكثيراً من الأشعار، وتعلم الخطَّ والكتابة، وكان ذلك على أيدي النساء، اللاتي لم يكن قوّامات عليه في التعليم فقط، بل كنَّ حريصات عليه يمنعنه من أن يقع في الفتنة، لاسيما وأنه في غرارة الصبا، وحدّة الشباب.

ولم يكتف أبوه بذلك بل جعل له رجلاً تقياً وقوراً عالماً ورعاً يلازمه، ويُجلسه في مجالس العلماء الأجلاء يستمع إليهم ويتلقى عليهم ما تدركه سِنّه، ذلك الرجل هو أبو الحسين بن علي الفاسي كما ذكرنا ، فتلقى العلوم والمعارف المتنوعة من فقه وحديث ولغة وأدب وشعر وغيرها.

وقد تلقى الإمام ابن حزم الحديث وطلبه مبكراً، فكان أول سماعه قبل سنة أربعمائة ، أي قبل بلوغه سنَّ السادسة عشرة من العمر، وكان أول شيخ سمع منه هو ابن الجَسُور .

(١) الزاهرة : مدينة متصلة بقرطبة من البلاد الأندلسية، أمر ببنائها المنصور بن أبي عامر سنة ٣٦٨ هـ، لتكون مقراً لدولته.

ينظر: الروض المعطار، ص ٢٨٣، نفح الطيب ١١٤/٢.

(٢) ينظر: ص (٢٣) من هذا البحث.

(٣) ينظر: جذوة المقتبس، ص٣٠٨، الصلة ٣٩٥/٢، بغية الملتمس، ص ٤١٥، تاريخ الإسلام، الذهبي، حوادث وفيات ٤٤١هـ ٤٦٠ هـ، ص ٤٠٤، نفح الطيب ٢٩٣/٢، شذرات الذهب ٢٤٠/٥.

(٤) هو: أبو عمر الإمام المحدث، الثقة، الصدوق، أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد بن الحباب بن الجسور الأموي القرطبي، كان فاضلاً أديباً شاعراً، عالي الإسناد، واسع الرواية. توفي بالطاعون سنة ٤٠١ هـ.

ينظر في ترجمته: الصلة ١/ ٢٩، بغية الملتمس، ص ١٥٤، شذرات الذهب ٨/٥.