وإنما نقلت هذه القطعة الطويلة من كتابه «المنقذ من الضلال» لأن الغزالي عندي صادق فيما يحدث عن نفسه، وكلامه خير للباحث من استشارة التراجم المختلفة، ولم نستشير التراجم، والمترجم نفسه يحدثنا عن تطور حالته العقلية؟
وهل أدل على لون نفسه في ذلك الحين من قوله بعد ما سلف: «ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله تعالى التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب»؟
ويجب أن نتنبه لهذه الكلمة، فهي كافية في تصوير نفسه، وينبغي أن نعرف أنه نص فيما بعد على أنه دام على هذه الحال عشر سنين، وقد كتب كتبه الأخلاقية وهو في هذه الحال، ولا تسأل كيف ترك بغداد، ولا كيف عاد إلى أهله، فقد رأيت كيف اعتلت صحته، وتغير مزاجه، وكيف سهل على قلبه ترك أولاده، وهو الذي تمدح بأنه كان يصعد منارة مسجد دمشق طوال النهار ويغلق بابها على نفسه، وكان يرحل إلى بيت المقدس فيدخل الصخرة كل يوم ويغلق بابها على نفسه!
على أنه بعد أن عاد إلى أهله (آثر العزلة أيضا حرصا على الخلوة، وتصفية القلب للذكر) كما قال.
وأنا لا أهتم بما ذكر من أنه انكشف له (في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمن إحصاؤها، واستقصاؤها) وإنما يهمني أن أثبت أنه كتب ما كتب في الأخلاق وهو على هذه الحال.
ويتلخص ما سلف في ثلاثة أمور:
الأول:
ما ورثه عن أبيه من نزعته الصوفية.
الثاني:
ما استفاده من وصيته تأييدا لتلك النزعة.
نامعلوم صفحہ