فتأوه الرجل وقال: يا ليت! دواء الأنفلونزا هدية المقرف، ليمونة حامضة وقرص إسبرو، أما علتي أنا فهي في جيبي. صرنا على أبواب المدارس والجيب فاض. أنا خائف أن يبقى الصبي بلا مدرسة.
فقلت: ما أكثر المدارس يا أبا جميل! فنق واختر منها ما يلائم، وعلى قد بساطك مد رجليك. - وإذا لم يكن لي بساط بالمرة فما العمل؟
فأجبته: أبلغ بك الضيق هذا المقدار ونحن لا نعرف؟
فقال: لم أحتج بعد إلى القوت، ولكن الأقساط المدرسية وارمة والعام ضيق. الزيتون ما حل، والتفاح أرخص من الفجل. مائة صندوق لا تسدد القسط الأول، وثمن الكتب والقرطاسية، والدخان لا نعرف كيف يكون سعره. كانت الناس تفرج عن بعضها، أما اليوم، ومع أن العملة ورق، فالناس تنكر وجودها وتقبرها تحت تاسع أرض. أكثر الناس يكسرون يدهم ويشحذون عليها. عجزنا وما وصل إلى يدنا قرش؛ أنا خائف أن يطلع الصبي بلا علم.
ومرت الأيام وعاد الرجل طلق المحيا، فقلت في نفسي: أبو جميل قرع باب الفرج وفتح له.
فقال بعدما احتبى: أنت تظن أني وقعت على ابن حلال أقرضني القسط. نعم يا سيدي، قد وجدنا القسط في صندوق أم الأولاد. باعت فسطانها المخملي وخاتمها الذهبي، وقالت لي حين أعطتني المال: ما نفع شب طويل عريض ليس في رأسه علم؟ الفسطان يعوض، أما العلم فهو كالزرع، إذا لم يغرس في وقته فلا تنتظر منه غلة.
وهنا تأوه أبو جميل وقال: لا تسألني بماذا كافأتها على هذه البشرى ... وقمت فورا إلى ثيابي الجدد وطرت بابني إلى المدرسة. وها نحن ننتظره كما ننتظر الحبة التي نبذرها في تشرين، ولنأكل غلتها في حزيران، أليس العلم غرسا؟ •••
هذه حكاية أكثرنا أيها الطالب العزيز.
لقد دخلت المدرسة بفضل فسطان أمك، الذي لبسته في ليلة زفافها، وهي تحلم بك. فماذا تفعل أنت حتى تكافئها وتكافئ أباك على تلك الساعات المضنية التي زعزعت أساساته؟
الأبوان لا يترجيان إلا فلاح ولدهما، فاعمل لتخرج مفلحا، قدر جهاد والدك وتضحية أمك، واكسب من العلم كل ما تستطيع.
نامعلوم صفحہ