وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يُفَوَّضْ إلَيْهِ عُمُومُ النَّظَرِ. احْتَاجَ إلَى تَقْلِيدٍ وَتَوْلِيَةٍ، إذَا اجْتَمَعَتْ فيه الشروط المتقدمة. وإنما يصح هذا فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُخْتَارَ لِوِلَايَةِ الْعَهْدِ، أَوْ لِوِزَارَةِ التَّفْوِيضِ، أَوْ لِإِمَارَةِ الْأَقَالِيمِ، إذَا كَانَ نَظَرُهُ فِي الْمَظَالِمِ عَامًّا. فَإِنْ اقْتَصَرَ بِهِ على تنفيذ ما عجز القضاء عن تنفيذه جاز أن يكون دون هذه المرتبة في القدر والخطر، بعد أن لا يستخفه الطمع إلى رشوة. وقد نظر النبي ﷺ الْمَظَالِمَ فِي الشُّرْبِ الذي تنازعه الزبير بن العوام، ورجل من الأنصار. فحضره بنفسه، وقال لِلزُّبَيْرِ: " اسْقِ أَنْتَ يَا زُبَيْرُ. ثُمَّ الْأَنْصَارِيُّ. فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك يا رسول الله، فغضب رسول الله ﷺ من قَوْلِهِ وَقَالَ: يَا زُبَيْرُ أَجْرِهِ عَلَى بَطْنِهِ حتى يبلغ الماء الكعبين". وإنما "أجره على بطنه" أدبًا لجرأته عليه. وَلَمْ يُنْتَدَبْ لِلْمَظَالِمِ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَحَدٌ. لأنهم في الصدر الأول، وظهور الدين عليهم بين، يقودهم إلى التناصف وإلى الحق. وَإِنَّمَا كَانَتْ الْمُنَازَعَاتُ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي أُمُورٍ مشتبهة يوضحها حكم القضاة. فإن تجور من جفاة أعرابهم متجور لناه الوعظ أن يدبر، وقاده العنف أن يخشن. فَاقْتَصَرَ خُلَفَاءُ السَّلَفِ عَلَى فَصْلِ التَّشَاجُرِ بَيْنَهُمْ بالحكم والقضاء. وَاحْتَاجَ عَلِيٌّ ﵁ حِينَ تَأَخَّرَتْ إمامته، واختلط الناس فيها، وتجوروا إلى فضل صرامة في السياسة.
1 / 74