فَإِنْ قَبِلَهَا وَعَجَّلَ الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا مَلَكَهَا. وَإِنْ لم يعجل المكافأة عليها كانت لبيت المال، إن تعذر ردها على المهدي لها. وَلَيْسَ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْخُصُومِ إذَا تَنَازَعُوا إلَيْهِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يحتجب إلَّا فِي أَوْقَاتِ الِاسْتِرَاحَةِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يحكم لأحد من والديه، ولا من مولوديه لِأَجْلِ التُّهْمَةِ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِمْ لِارْتِفَاعِهَا. وَكَذَلِكَ لَا يشهد لهم، ويشهد عليهم، ولا يشهد على عدوه، ويشهد له، ويحكم لعدوه، ولا يحكم عليه. وقال أبو بكر في كتاب الخلاف " يحكم عليهم ولهم، لأن أسباب الحكم ظاهرة، وأسباب الشهادة خفية، فانتفت التهمة عنه بالحكم، وَتَوَجَّهَتْ إلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ". وَإِذَا مَاتَ الْقَاضِي، فقد قيل: انعزل خلفاؤه. ولو مات الإمام لم ينعزل قضاته، وقيل: لا ينعزلون لأنه ناظر للمسلمين لا لمن ولاه. ولهذا لو أراد عزله لم يملك ذلك. ولو أن أهل بلد قد خلا من قاض أجمعوا على أن قلدوا عليهم قاضيا، نظرت. فإن كان الإمام مَوْجُودًا بَطَلَ التَّقْلِيدُ. وَإِنْ كَانَ مَفْقُودًا صَحَّ، وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ تَجَدَّدَ بَعْدَ نَظَرِهِ إمام، لم يستدم النظر إلا بعد إذنه، ولم ينقض ما تقدم من حكمه. وقد نص أحمد رحمه الله تعالى على أن نفسين لوحكما عليهما نفذ حكمه عليهما. ونص أيضا على الرفقة إذا مات بهم ميت في موضع لا حاكم فيه وكان معه ما يخاف عليه، جاز لأهل الرفقة أن يتولوا بيع ذلك سوى الجواري.
فصل فأما ولاية المظالم والنظر في المظالم:
هو قود المتظلمين إلَى التَّنَاصُفِ بِالرَّهْبَةِ، وَزَجْرُ الْمُتَنَازِعَيْنِ عَنْ التَّجَاحُدِ بالهيبة. ومن شرط النَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ جَلِيلَ الْقَدْرِ، نَافِذَ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهرًا الْعِفَّةِ، قَلِيلَ الطَّمَعِ كَثِيرَ الْوَرَعِ. لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ في نظره إلى سطوة الحماة، وتثبت القضاة. فاحتاج إلى الجمع بين صفتي الفريقين. فإن كان ممن يملك الأمور العامة كالخلفاء، أو من فوض إليه الخلفاء في الأمور العالمة كَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، لَمْ يَحْتَجْ النَّظَرُ فِيهَا إلَى تقليد. وكان له - لعموم وِلَايَتِهِ - النَّظَرُ فِيهَا.
1 / 73