يكفيكم منه أنَّ الناس لو وصفوا ... أمرًا يرُوعُهُم قالوا: هو الموت (١).
النثر:
عبد الحق كاتب بليغ، وأديب أريب، متمكن من البلاغة، متين في الفصاحة، ونثره متميز بحلاوة الأسلوب، ورونق الكلمات، غير أنه لا يخلو أحيانًا من تكلف في السَّجع، أو تصنع في اللفظ، قد غلب عليه الطابع الخطابي، فكأنه ارتقى منبر الوعظ والإِرشاد وأخذ يخطب وينادي، وما القارئ إلا آحاد المستمعين لهذا الخطيب المفوه المكين.
يقول في مقدمة العاقبة: "الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الجبابرة، وكسر بصدمته ظهور الأكاسرة، وقصر ببغتته آمال القياصرة، الذي أدار عليهم حلقته الدائرة، وأخذهم بيده القاهرة، فقذفهم في ظلمات الحافرة، وصيرهم بها رهنًا إلى وقعة الساهرة، فأصبحوا قد خسروا الدنيا ولن يحصلوا على شئ من الآخرة (٢).
ثم يقول: أما بعد، فإن الموت أمر كبار، أنجد وأغار، وكأس يدار، فيمن أقام أو سار، وباب تسوقك إليه يد الأقدار، ويزعجك فيه حكم الإِضطرار، ويخرج بك منه إما إلى الجنة وإما إلى النار، خبرٌ -علم الله- يُصِمُّ الأسماع، ويغير الطباع، ويكثر من الآلام والأوجاع" (٣).
وفي غضون كتابه يقول: "واعلم -رحمك الله- أن في الجنائز عبرة للمعتبرين، وفكرة للمتفكرين، وتنبيهًا للغافلين، وإيقاظًا للنائمين، بينما الإِنسان
_________
(١) عنوان الدراية: (٥٥)، وانظر نفح الطبيب: (٤/ ٣١٥)، وذكر البيتين أبو محمد في كتابه العاقبة، فقال: قال بعضهم:
قالوا: صف الوت ياهذا وشدته ... فقلت وأثر مني عند ذا الصوت
بكفيكم منه أن الناس إن عجزوا ... عن وصف أمرُهم قالوا: هو الموت
(٢) العاقبة: (٢٠)
(٣) العاقبة: (٢٢).
1 / 38