احادیث المازنی
أحاديث المازني
اصناف
والقطة هي الدابة الوحيدة التي تأكل صغارها فتأمل ذلك. ومن كان يعرف أن حيوانا مستأنسا آخر يفعل ذلك فليخبرني فإن العلم بهذا ينقصني.
ومن غرور القط أنه يعتقد أن ريقه ترياق فتراه يضطجع على جنبه ويلوي عنقه ويقبل على شعره بلسانه ويلحسه ولا يخجل أن يستحم على هذا النحو أمام الناس بل لعله يباهي بذلك ويفخر قبحه الله. وهو مفطور على الغدر والخيانة فلا أمان له ولا اطمئنان منه لأحد من الخلق ولا لشيء من الأشياء فهو لهذا سيء الظن حتى إنك لتراه إذا صار على رف أو لوح من الخشب يخطو كأنهما هو يمشي على الجمر فيضع كفا وينتظر ويخيل إليك من وقفته أنه يختبرها بكفه ويقدر مبلغ ثباتها وقدرتها على احتمال ثقله .
ثم يمد يده الأخرى وينتظر شيئا زيادة في الاستيثاق ومبالغة في الحذر ولا يجد ما يبعثه على الشك ومع ذلك يظل يتريث حتى تزهق روحي وأنا أنظر إليه وإذا رابه شيء رد يده وسحبها من موضعها بسرعة وخفة ولو كان الإنجليز قد خلقوا قبل القطط وسبقوها إلى الدنيا والحياة لقلت أن القطط أخذت ذلك عنهم وقلدتهم فيه فإنهم مثلها يقدمون على الشيء متحرزين ويخطون خطوة ثم يقفون ينظرون ما يكون فإذا جرت الأمور على غير ما يحبون أو يتوقعون ارتدوا بخفة وبسرعة وإلا نقلوا رجلا أخرى وهكذا فيظهر أنهم هم الذي يتقيلون القطط ويحاكونهم في هذا والله أعلم.
ولم يسرني قط وجود قط في بيتي إلا مرة واحدة وكان قطا ملعونا لا يزال كلما أوينا إلى مضاجعنا يتسلل - لا أدري من أين - إلى المطبخ ويرفع غطاء كل وعاء ويقلب كل صحن ويروح يعبث بما في المكان.
وليست نقمتي عليه من أجل ما يسرق فقلما يجد شيئا في المطبخ لأن عادتنا أن نأكل كل شيء ولا نبقي شيئا قبل أن ننام فلا نبيت الأوعية والصحون إلا فارغة نظيفة والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه. وإنما نقمتي عليه من أجل الضجة المزعجة التي يحدثها والصحون والأطباق التي يكسرها فنهب مذعورين من فرط الضوضاء ونذهب نعدو إلى المطبخ عسى أن ندرك شيئا قبل أن يتحطم وإذا بالقط اللعين يثب من الرف حين يرانا إلى النافذة دفعة واحدة.
وأقسم أني كنت أغلقت النافذة واستوثقت منها قبل أن أنام كما رأيت جاري يفعل ولكن من يصدق.
وتروح زوجتي تكذبني وتزعن أنى لا شك أهملت كعادتي أو أني اكتفيت بأن ألمس النافذة بيدي وباركها ثم قفلت راجعا وأنا واثق أنها ستغلق نفسها بقدرة الله ومن غير حاجة إلى معونتي.
ونظل في هذا الخلاف السخيف الذي سببه لنا القط إلى الصباح.
واتفق يوما أن دخل علينا قط ضخم بلا استئذان فهممت بطرده إذ حسبنا ما يصيبنا من القطط بالليل.
ولكني لمحت قطا آخر واقفا بالباب يشاور نفسه ولم أكد أراه حتى كانت المعركة ناشبة بين القطين وكانا يدوران وذيلاهما مرفوعان وكل منهما يتحين الفرصة للوقوع في خصمه وكانت أصواتهما المنكرة كأنها المسامير في آذاننا ولكنها كانت لهما كموسيقى الحرب على ما يظهر ثم اشتبكا بعد أن وزن كل منهما صاحبه وأخذت المخالب تطول وتنغرز في أجسامهما والأسنان تساعدها وكانا يتقلبان على الأرض - أعني على البساط - وهما يتصايحان بصيحات الحرب وأنا واقف من فرط السرور أشجعهما وأستحثهما وأقول للذي أراه يفتر منهما «عليك به أغرز مخلبك في عينه.. افقأها له ليعمى ولا يعود يرى النافذة.. برافو.. برافو.. أحسنت هكذا تكون البطولة وإلا فلا.. أيوه.. أعد.. أعد.. بارك الله فيك.. مزق جلده.. أسلخه.. تمام.. مضبوط.. عضه.. عضه.. يا أبله.. لا لا لا.. لا تبعد.. عد إليه تذكر الدجاجة التي خطفها وحرمني وحرمك لذتها.. تذكر - إذا كنت لا تعبأ بالدجاج - الفيران الطريقة السمينة التي يصيد كل ليلة ويأكل لحمها الغريض ويشر دمها القاني..
نامعلوم صفحہ