الخس وغيره من النبات.
وأما ما يغرس من القضبان، فإن العود إذا غرس في الأرض سالت منه رطوبات وانحدرت واتصلت بالأرض، وتكون منها عروق تقوم لها مقام الفم للحيوان تجذب بها الرطوبات المغذية له من الأرض حتى إذا كثرت الرطوبات في القصب وانطبخت بالحرارة الغريزية من باطنه، وحرارة الهواء من ظاهره، انتفخ القضيب وتنفس واتسعت مجاريه ومنافسه وورق ثم نور (1) وأثمر. فما كان من الأشجار بطئ الادراك مثل الزيتون والشمشاذ (2) والأبنوس، كان أكثر بقاء على الأرض لان ارتفاع نباته إنما يكون عن رطوبة أرضية غليظة مندمجة مكتنزة الاجزاء بطيئة الانحلال والانفشاش، ولذلك صار الأبنوس ينبت في الماء ويبقى زمانا من غير أن يفسد. وما كان من الأشجار أسرع نباتا وإدراكا مثل التفاح والمشمش والخوخ كان أقل بقاء على الأرض، لان ارتفاع نباته إنما يكون عن رطوبة لطيفة سخيفة الاجزاء سريعة الانحلال والانفشاش.
فإن سأل سائل وقال: ما السبب الذي له صار انعقاد بعض الثمر يكون صلبا، وبعضه لينا رخوا، وبعضه متوسطا بين هاتين المرتبتين؟ قلنا له: ذلك لان الرطوبة المغذية للثمر تكون على ضروب على ما بينا مرارا، لان منها رطوبة أرضية غليظة، ومنها رقيقة مائية، ومنها خفيفة هوائية، ومنها لزجة متوسطة بين اللطافة والغلظ.
فما كان من الثمر الأرضية غالبة على رطوبته، كان انعقاده صلبا يابسا شبيها بانعقاد العظم في الحيوان مثل المقل (3) وما شاكله.
فإن خالطت الأرضية مائية وكانت المائية أغزر قليلا، كان انعقاد الثمرة معتدلا شبيها بانعقاد اللحم في الحيوان، مثل التفاح والمشمش وما شاكلهما.
فإن ازدادت الأرضية قلة والمائية كثرة، كان انعقاد الثمار أكثر ليانة، شبيها بانعقاد الشحم في الحيوان، مثل التين وما شاكله.
فإن ازدادت الأرضية، أيضا، قلة وكانت الرطوبة رقيقة مائية فيها شئ من لطافة ولزوجة، اجتمعت الثمرة وصارت كأنها رطوبة مجتمعة مثل التوت وما شاكله.
وإن كان انعقاد الثمرة عن رطوبة لزجة متوسطة بين اللطافة والغلظ، بعيدة من الأرضية، سالت الثمرة وطالت وصارت كأنها كلها رطوبة سيالة منعقدة، مثل الموز وما شاكله. ولذلك صار الموز
صفحہ 65