الحامل للرائحة إلى الروح النفساني الذي في بطون الدماغ، ولذلك يشتم من غير استنشاق. وأما الحيوان ذوات المناخر ففي أعلى مناخرها حجاب يمنع الهواء من النفوذ إلا بالاستنشاق ليدفع ذلك الحجاب ويصل الهواء الحامل للرائحة إلى الروح النفساني الذي في بطون الدماغ. وكذلك ما كان من الحيوان على عينه أجفان تنطبق عليها لا يبصر حتى يفتح عينيه ويرفع الأجفان المنطبقة عليها. وأما ما كان من الحيوان لا جفن له، فإنه لا يحتاج إلى ذلك لان عينيه مفتوحتان دائما. ولذلك يكل روحه النفساني ويضعفها ويخلق لدوام تعبه ولا يميز من الألوان إلا أطرافها وحواشيها فقط، أعني البياض والسواد ويخسأ عن تمييز ما لطف من الألوان وقرب بعضها من بعض.
فإن قال قائل: فإذا كان الروح النفساني الذي في أعين من لا أشفار له من الحيوان يخلق ويجفو بدوام حركتها وكثرة تعبها، فلم لا كانت الروح النفساني الذي بها يكون الشم في الحيوان الذي ليس على مجرى الشم منه غطاء يخلق ويكل لدوام حركته وتعبه، وقلة راحته؟.
قلنا: إن المعارضة فاسدة من قبل أن الشعاع البصري يبرز من الحدقة وينفذ في الهواء حتى يصل إلى محسوساته ويدركها، ولذلك يكل ويخلق ويخسأ. وأما الروح الذي يكون به الشم فليست كذلك، لان محسوساتها تصل إليها إلى مواضعها في بطون الدماغ ولذلك لا تتعب ولا تكل وتخلق ولا يلحقها (1) ما يلحق الشعاع البصري من الكل.
وإذا صرنا إلى هذا الموضع من كلامنا واتضح الخلاف بين حاسة الشم وحاسة الذوق في إدراكهما لمحسوساتهما ودلالتهما عليهما، فنحن أحق بأن نصف أنواع البخارات ونخبر بقواها وأفعالها.
فأقول: إن البخار ينقسم في جنسه ثلاثة أقسام: أحدها: بخار ساكن لا حركة له ولا رائحة. والثاني:
بخار سريع الحركة شديد الرائحة قوى التأثير في الهواء. والثالث: بخار متوسط بين الحاشيتين لأنه، وإن كان متحركا مؤثرا في الهواء ذا رائحة، فإن فعله في ذلك قريب من الاعتدال.
وما كان من البخار ساكنا لا حركة له ولا رائحة البتة، كان دليلا على جوهر أرضى غليظ ثقيل عسير التحلل في الهواء بعيد الانطباع فيه. وما كان كذلك لم يوقف منه على حالة معلومة في حرارة وبرودة، إلا أنه وإن لم ينبئ عن نفسه في طبيعته وذاته، فإن في ضعف حركته وقلة تأثيره في الهواء، ما دل على غلظه وبرده. ولذلك لم يتحلل منه من البخار ما يؤثر في الهواء تأثيرا ما. وأما ما كان منه سريع الحركة قوي الرائحة شديد التأثير في الهواء، فإنه دليل على أن جوهره جوهر لطيف غواص سريع النفوذ في المسام، قوي الحرارة. وذلك لان كل بخار سريع الحركة شديد التأثير في الهواء، فهو دليل على قوة حرارة فيه تحلل البخارات وتلطفها. وهذا الضرب من البخار ينقسم قسمين: لان منه ما هو، مع قوته وكثرة تأثيره في الهواء، لطيف معتدل المزاج موافق للروح النفساني. ومنه ما هو مختلف المزاج غير
صفحہ 48