وتألقت ابتسامة مثل فلة يانعة؛ أين تختفي هذه العذوبة؟ آه لو أن الرجوع في الزمان ممكن مثل الرجوع في المكان. في كائني البدائي ركن ساذج، يطيب له أحيانا أن يبكي الأطلال. كرم الذي لم يعد موجودا يبكي حليمة التي لم تعد موجودة.
ها هي المرأة راجعة، دخلت وجلست دون تحية، تجاهلتها تماما، ولم تنبس. في عينيها طمأنينة، فماذا عرفت؟ لا شك أن ثمة خبرا طيبا تضن به علي الخنزيرة! لو كان شرا لصبته على رأسي قبل أن تدخل. هل رجع عباس؟ أبيت أن أسأل، ومضى وقت، حتى قالت: نحن مدعوان لمشاهدة المسرحية.
وقدمت إلي إعلانا مطبوعا؛ استقر بصري على اسم المؤلف عباس يونس، جرفني زهو، تساءلت: هل نذهب؟ - أي سؤال؟ - قد لا يسرنا أن نرى أنفسنا. - المهم أن نرى مسرحية عباس.
صمت، فقالت: قلبي يحدثني بأن المؤلف سيظهر حتما. - من يدري؟ - قلبي يدري. •••
ذهبنا في أحسن صورة ممكنة؛ ارتديت بدلة لا بأس بها، واستأجرت حليمة ثوبا ومعطفا من أم هاني. استقبلونا استقبالا حسنا، وقالت حليمة: ولكني لم أر المؤلف.
فقال سرحان الهلالي: لم يحضر، ولكني أخبرتك بما فيه الكفاية.
إذن قد قابلته، وتلقت أخبارا لا بأس بها. ولما كان الوقت مبكرا، فقد ذهبنا لزيارة عم أحمد برجل. قدم لنا - هدية منه - سندوتشين وقدحين من الشاي، وهو يقول ضاحكا: مثل الأيام الماضية!
لم نعلق، لا بكلمة، ولا بابتسامة. وفي الوقت المناسب، انتقلنا إلى مقاعدنا في الصف الأول. كان المسرح كامل العدد، فقالت حليمة: هو النجاح.
فتمتمت: لا حكم إلا بعد مرور أسبوع.
رغم استهتاري توترت أعصابي. فيم تهمني مسرحية وأنا لا تهمني الحياة؟! آه، ها هو الستار يرفع عن بيتنا، بيتنا دون غيره؛ هل أراده العجرودي كذلك أو أنه عباس؟ الأب والأم والابن، إنه ببساطة ماخور ونادي قمار. يوجد أكثر من الجريمة والخيانة، الأم تبدو عاهرة بلا ضابط، علاقاتها تتتابع مع المدير والمخرج والناقد وطارق رمضان! هلت لحظتها أنفاسها تتردد في ثقل وخشونة؛ إنه الجحيم. استمتعي برأي ابنك فيك؛ رؤيته تتجلى بوحشية عن أبيه وأمه؛ من يتصور أن رأسه المتزمت يحوي هذه الخرائب كلها؟ إني سعيد برأيه في أمه، سعيد باطلاعها على رأيه فيها. المسرحية تنكل بي، وتنتقم لي. في لحظة الفضيحة هذه أنعم بالانتصار على الأم والابن معا، على عدوي اللدودين. ثم إنه لم يفهمني، إنه يقدمني كرجل منحل، كرجل واجه تحديات الواقع بالانحراف؛ لست كذلك يا غبي، لم أستو مركبا لكي أنحل. نشأت بسيطا بدائيا حرا، نشأت شاهدا ومدينا للنفاق؛ ذاك ما لا يمكن أن تفهمه، وسر نجاحك أنك تتملق النفاق والاستعلاء الكاذب. تلق مني بصقة في مهجرك الأبدي.
نامعلوم صفحہ