افکار و رجال: قصہ فکر غربی
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
اصناف
وكانت العضوية في هذه الطبقة - في القرون الأولى من العصور الوسطى، وفي أوجها إلى حد ما - مفتوحة للموهبة، ولكنها الموهبة التي تقترب من تلك التي تكفل للصبي الأمريكي الطموح الالتحاق بالجامعة، وليست بالموهبة التي تكفل له درجات الشرف الدراسية، ولكنها موهبة على أية حال. والعلامة الظاهرة للعضوية في الجماعة هي لقب الفارس (وتساوي كلمة
Knight
بالإنجليزية كلمة
Chevalier
بالفرنسية). ولقب الفارس يمنحه الإقطاعي الأعلى مرتبة للشاب عندما يبلغ سن الرشد، أو يمنحه لمن يستحقه من الأتباع في سنواته الأخيرة، ولم يكن قط يحرم منه أبناء النبلاء، وكان يمنح للعامة - فوق ذلك - لسبب قوي، كالشجاعة في القتال. وكانت هناك دائما في المجتمع الإقطاعي فئة من المقاتلين أو من مساعدي المقاتلين من غير النبلاء. وكان هؤلاء في السنوات الأولى يرتفعون في كثير من الأحيان إلى مرتبة الفروسية وينضمون إلى الطبقة صاحبة الامتياز. أما فيما بعد فقد أمسى الانتقال من الطبقة السفلى إلى الطبقة العليا أمرا شاقا، إن لم يكن مستحيلا، كما يحدث في أغلب الأحيان في تاريخ هذه الفئات.
وكانت هذه الطبقة الإقطاعية تعيش على القتال الذي ينشب عادة فيما بينهم، وكانت هناك بطبيعة الحال الحروب الصليبية ضد المسلمين، وضد الزنادقة الذين ظهروا فيما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر جنوبي فرنسا والذين اضطهدوا لنقدهم مفاسد رجال الدين، وضد الوثنيين من السلاف. ثم ظهرت صورة من الحروب الوطنية التي تشبه حروبنا - وبخاصة في حرب المائة عام بين فرنسا وإنجلترا. كما كانت هناك حملات تأديبية ضد النبلاء الذين جاوزوا بالفعل حدودهم وأصبحوا قطاعا للطرق صراحة. وبرغم هذا فمن الحق أن كثيرا من الحروب الإقطاعية كانت حروبا خاصة بين قوم ليس بوسعهم أن يؤدوا إلا قليلا من العمل سوى القتال، والذين كانوا ينتهزون الفرص الاستثنائية للقتال. وتحت هذه الظروف كان لا بد لموازنة الميول الفوضوية تدريجا، ثم التغلب عليها في الموازنة، وذلك عن طريق مجموعة من القواعد والقيود وأنواع السلوك النبيل يفرضها الناس على أنفسهم طوعا. ولما حل القرن الخامس عشر لم يعد قتال الفروسية أشد خطرا من أي لهو عنيف. والواقع أن ما حدث في الفروسية يشبه على وجه التقريب ما حدث لكرة القدم في أمريكا من عهدها الأول عندما كانت مشاجرة وشغبا إلى أن أصبحت اليوم لعبة لها قواعدها.
وقد كانت هذه الفئة المقاتلة حتى في أيامها الأولى - كما كان يؤكد أفرادها تأكيدا شديدا - مسيحيين، ويكاد المرء يرى في عنف حياتها الشديد شيئا يشبه ما نسميه العصابات. ومن المؤكد أن الكونت الفرنسي في القرن العاشر كان أقرب إلى أن يكون فردا في عصابة منه إلى أن يكون الفارس الكامل المهذب كما يصوره عشاق العصور الوسطى في العهد الحديث. ولم يكن يعرف الكتابة والقراءة، ويجيد في شبابه المهارات اللازمة لركوب الخيل، والمبارزة بالسيف، وما شابه ذلك. وكان بوسعه أن يكل إلى حشمه وكتابه الإدارة والحكم، والتعامل مع الأفراد الذين لا بد للطبقة الحاكمة عادة من الاتصال بهم للاحتفاظ بنفوذها، كان بوسعه هذا، وكثيرا ما كان يفعله. وأقول في إيجاز إن وقت فراغه كان طويلا، وكانت لديه فرص كثيرة لكي يفكر فيما يلحقه من إهانة، ولكي ينتقم، ويحتفظ بسمعته، التي كان يسميها شرفه وكرامته. وكان من الجائز أن تصيبه نوبات من الغضب الذي لا يكبح جماحه - بل إني لأظن أنه كان أحيانا يفتعل هذه النوبات - ومن الممكن أن يرتكب في ثورة الغضب، القتل، والبتر، والغواية، وأن يخالف أكثر التعاليم التي لم تكف المسيحية قط عن أن تضعها أمام عينيه.
ولكنه كان يؤمن بالمسيحية، وكان قوي العقيدة في السماء وبخاصة في الجحيم، وكان له ضمير، ولم يكن في الأغلب ضميرا سيئا. وهذا التشاؤم الساخر الذي كثيرا ما تلمسه في أمريكا الحديثة يبلغ أشد مواطن الزلل إذا افترض وجود مثل هذا التشاؤم في طبقة حاكمة كطبقة الحكم في العصور الوسطى؛ ذلك أن الفارس الذي يستسلم لميوله يدرك تمام الإدراك أنه أذنب، وقد يبالغ في إظهار الندم. وقد يحمل الصليب، ويرهن كل ما يملك لكي يلتحق بحرب صليبية في الأرض المقدسة، وقد يقدم إلى الكنيسة ملكا له قيمته أو يوصي لها به. والواقع أن الكنيسة خلال هذه الفترة التي امتدت لألف عام جمعت من أصحاب الضمائر السيئة كما جمعت من أصحاب الضمائر الطيبة هبات ضخمة من السلع الدنيوية مما جعلها قوة اقتصادية كبرى. وما زال هناك من يعتقد أن الإصلاح البروتستانتي كان في أساسه حركة اقتصادية، وهي نهب الكنيسة على أيدي فئة جديدة من النبلاء اللصوص الذين ليست لديهم ضمائر البتة.
بيد أنه من الخطأ أن نحسب الفروسية حتى في بدايتها مجرد مجموعة من الرياضيين لا تخضع لنظام، ارتفعت بطريقة ما إلى مراكز لها نفوذ اقتصادي وسياسي، ولا يمسكها عند حد أدنى من مستويات السلوك إلا الخوف من نار الجحيم. وإني أحذر قراء هذا الكتاب تحذيرا شديدا من الخطر الذي ينجم عن اعتبار أية قطعة أدبية وصفا دقيقا لطريقة سلوك الناس فعلا. ومع ذلك فمن العبث أن نحسب أن الأدب ليست له بالحياة الواقعة علاقة، أو أن علاقته بها علاقة سلبية محض؛ فقد تجسد الجانب المثالي من الفروسية الأوروبية الأولى في سلسلة من الملاحم، لعل أشهرها وأشدها تمثيلا لها «أغاني رولان»، وقد روت هذه القصيدة، التي تعالج شخصية شرلمان التاريخية في القرن التاسع، أجيال من الشعراء الذين كانوا يتنقلون من قلعة إلى قلعة لإقامة حفلات الترفيه، ولم تتخذ صورة مكتوبة إلا في وقت متأخر نسبيا في العصور الوسطى. وإذن فلقد كانت الشعر الشعبي عند الطبقة العليا، وهي تبين على وجه التأكيد تقريبا كيف كانت طبقة النبلاء في الغرب قديما تحب أن تنظر إلى نفسها.
وما برح شرلمان وأبطاله كما تصورهم هذه القصيدة (وكذلك الملك آرثر وفرسانه كما تصورهم قصائد أخرى ترجع إلى نفس الأصول تقريبا) رياضيين، ولكنهم ظرفاء، سذج، لا يتقاضون إعانات مالية، يلعبون دورهم منصفين حتى مع الوثنيين، يحبون الله والإمبراطور بروح المدرسة القديمة. وإن كنت تحسب هذه المقارنة لغوا من القول في غير موضعه، وآثرت أن ترى «أغاني رولان» في عرض دقيق لأحد عشاقها فاقرأ الصفحات القلائل الأولى من «مونت سنت مايكل وتشارتر» لهنري آدم. هنا تجد هذا الرجل المثقف من إنجلترا الجديدة، المجهد، الممرور، ينصرف مرتاحا من عالمه الحديث المجنون المنحرف (كما أحسه) إلى هذا العالم الغض، البسيط، القوي، عالم الكرامة الرجولية، والعمل الرجولي، والآراء اليقينية الرجولية. ولكن لا تندفع في انسياقك، وارجع كذلك إلى صفحات قلائل - أيا كانت - من الراهب المؤرخ لعهد الفرنجة، وأعني به جريجوري التوري، فإن حياة الفرنجة كما يصورها جريجوري أشبه بالحياة ممثلة في حبة دواء أمريكية مركزة، أو هي على الأقل في شدتها ولا تكاد تتفوق عليها في قيمتها. وهنا نلتقي مرة أخرى بالتباين بين الواقعي والمثالي؛ ذلك التباين الأبدي - البشري - الذي ظهر في العصور الوسطى.
نامعلوم صفحہ