افکار و رجال: قصہ فکر غربی

محمود محمود d. 1450 AH
45

افکار و رجال: قصہ فکر غربی

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

اصناف

وهذه القرون الثلاثة التي سبقت المسيح كانت القرون العظمى للعلوم الإغريقية، وقد تفوق الإغريق الهلينستيون في الرياضة (وبخاصة الهندسة)، والفلك، والطبيعة. أما في الطب وعلم الأحياء فلم يتحقق ما توقعه أبقراط وأرسطو بأكمله. ولم تكد الكيميا تكون ميدانا من ميادين الدراسة المعترف بها. ومهما يكن من أمر فقد كانت جملة التقدم العلمي عظيمة جدا. والعلم يعني عندنا اليوم جماعة من الباحثين المدربين، ومؤسسات غنية تعينهم، ونقل النتائج إلى الزملاء العاملين في الميدان، وبحث لا يني عن النظريات لتفسير الوقائع، وعن وقائع لاختبار صحة النظريات. ومن الجائز أن العلم بهذا المعنى الحديث - حتى أواخر القرن السابع عشر - كاد يتحقق في متحف الإسكندرية تحت حكم البطالسة الأوائل.

ولسنا نعرف على وجه الدقة شيئا عن تنظيم هذا المتحف. وقد كانت الإلاهات الإغريقيات التسع التي عرفت باسم «ميوزس» - وهو الاسم الذي اشتقت منه كلمة متحف بالإنجليزية - في الواقع سيدات أديبات أكثر منهن عالمات. ولكن الأدب تحت النظام الإسكندري الذي كان يشجع على البحث وراء المعرفة كان تحت رعاية «المكتبة» العظمى، التي عني القائمون عليها بما يسمى في الجامعات الحديثة بالعلوم الإنسانية. والظاهر أن المتحف كان من بعض نواحيه شبيها بمتاحف التاريخ الطبيعي في العصر الحاضر - مكانا تعرض فيه نماذج لها أهميتها. ولكنه كان - من ناحية أخرى كذلك معهدا للبحث العلمي، وللتعليم، على الأقل فيما يتصل بالعلاقة المباشرة بين الأستاذ والتلميذ.

وليس من شك في أن شرطا من الشروط الأساسية لازدهار العلم، أعني وجود مركز معد للتعليم والبحث، قد توافر في العصر الهلينستي. وليست هناك فائدة كبرى من سرد الأسماء هنا. ومهما يكن من أمر فقد كان أرشميدس في سرقسطة عالما طبيعيا من طبقة نيوتن. كما كتب إقليدس كتابا مدرسيا استعمل في تدريس الهندسة أكثر من ألفي عام. وكذلك وضع أرستارخوس في ساموس نظاما لميكانيكا الأجرام السماوية، الشمس بمقتضاه تتوسط الكواكب، والأرض وغيرها من الكواكب تدور حول الشمس، ولما كانت كتاباته الرئيسية لم تصل إلينا وجب علينا أن نصدق في ذلك ما ذكره عنه أرشميدس أساسا. كما أن أراستوثينس قد أخذ بالنظرية العلمية السابقة التي تقول بأن الأرض كرية. وعلى هذا الأساس قدر طول محيطها برقم يقترب من الحقيقة بدرجة تدعو إلى العجب. أما مدى صحة الرقم الذي قدره فيتوقف على المقياس الحديث المضبوط المساوي لوحدته في القياس، وهي الاستاديوم (وهو نحو 202 ياردات، وإن كنا لا نعرف على وجه الدقة). ولكنه على الأرجح قدر رقما يبلغ نحو 28000 ميل بدلا من 25000 ميل تقريبا بتقدير الجغرافيين المحدثين.

وبالرغم من أن جانبا كبيرا من هذا العمل العلمي نظري بحت، تم بالدراسة كما تتم الفلسفة، إلا أن الإسكندريين لم يتخلوا عن العمل الشاق المحط بالكرامة الذي يتعلق بالملاحظة والتجربة. وقد قدر أراستوثينس - على سبيل المثال - طول محيط الأرض بقياسه قياسا دقيقا الظل الذي يلقيه عمود رأسي في الإسكندرية وقت الظهيرة تماما في يوم الانقلاب الصيفي، وقد عرف أن الشمس عند سايين (وهي جنوبي الإسكندرية تماما) في تلك اللحظة من ذلك اليوم لم تلق البتة أي ظل - وإذا أخذنا بالتعبير الحديث قلنا إن سايين كانت على مدار السرطان، وعرف المسافة بين الإسكندرية وسايين. وبهندسة مبسطة جدا استطاع أن يقيس ذلك القوس من سطح الأرض الذي تمثله المسافة بين الإسكندرية وسايين، ووجد أنها 7° 12

أو 50 / 1 من الدائرة. وقد نشأ خطؤه الأساسي من عدة أخطاء ثانوية؛ فسايين لا تقع جنوبي الإسكندرية تماما، فهي ليست على مدار السرطان تماما، وربما لم يأخذ في حسابه نصف قطر الشمس ذاتها عند قياس زاويته الرئيسية. ومهما يكن من أمر فقد كان العمل الذي قام به جليلا، وكان مذهبا علميا يقوم على النظريات والوقائع.

وقد قام بعض الإسكندريين المتأخرين - وإن لم يكونوا فنيين أو مخترعين بالمعنى الحديث - بجانب كبير من التجريب في الميكانيكا، ورثوا عن أسلافهم جزءا كبيرا من المعرفة الأساسية عن صفات السوائل والغازات، وعن الروافع، و«السيفون»، والمضخات، وما إلى ذلك (وكان العلم قد أمسى بالفعل من قبل معرفة تراكمية بصورة واضحة)، فصنعوا آلات بخارية صغيرة، وآلات تدور بوضع العملة فيها، وعصافير تصفر وتكف عن الصفير من تلقاء نفسها، وأبواب المعابد التي تتفتح من تلقاء ذاتها إذا اشتعلت النار. ومن المحتمل أن القسس كانوا يستخدمون بعض هذه المخترعات عن قصد لكي يضاعفوا من تأثير الحفلات التي يقيمونها. ولكن ليس لدينا سجل عن أي تاجر إسكندري كان يستخدم الآلات التي تدور بوضع العملة فيها في بيع سلعة، أو أي مهندس إسكندري يستخدم الآلة البخارية في تحريك أي شيء.

وإذن فقد كان تاريخ العلم في العالم الإغريقي الروماني المتأخر متقطعا غير متصل. كانت هناك عقول جبارة كرست نفسها لدراسته، وكانت هناك على الأقل بداية لنظام تربوي وتنظيم اجتماعي يكفل الاستمرار في دراسة العلم والتزيد فيه. ولكن لم تقم - مع ذلك البتة أية علاقة مثمرة بين العلم، وتطبيقه، والإنتاج الاقتصادي. وفي القرون الأولى من حكم العالم الروماني توقف العلم عن النمو، وتوقف عن توسيع نطاقه. ومشكلة توقف العلم عن النمو بهذه الصورة من أشد المشكلات تشويقا في تاريخ الفكر. وليس بالإمكان تفسير ذلك ببساطة؛ فهنا - كما في تاريخ البشر دائما تقريبا - تواجهنا عدة عوامل، وعدة اتجاهات، ولكل منها ضلع في تطور الموضوع. ولا يمكن أن نرتب هذه العوامل والاتجاهات في صورة معادلة وليس بوسعنا إلا أن نزنها وزنا تقريبيا.

وأحد هذه العوامل كثيرا ما يبالغ فيه، بالرغم من وجوده قطعا، وذلك هو ما نستطيع أن نسميه عنصر «التهذيب والرقة» في التقاليد الإغريقية، وأقصد أن رجال الثقافة المهذبين إنما يهتمون بالموضوعات الرشيقة كالموسيقى والفلسفة، ولا يهتمون بالعمل الدقيق، الشاق، غير الكريم، في المعمل أو في حقل التجارب. وإذا عبرنا عن ذلك بأسلوب عقلي آخر، قلنا إن هذا العامل هو الإيمان بأن المرء يبلغ الحق بالتأمل الباطني، وبالوحي، وبالاطلاع على الأعمال العظمى للأساتذة، ولا يبلغه بالكشف عن وقائع التجربة الحسية وتناولها. وبعبارة أخرى نقول إن رجال الفكر من الإغريق والرومان ساروا في أثر أفلاطون ولم يسيروا في أثر أبقراط.

وقد يكون هذا القول صادقا من بعض نواحيه، ولكن من غير المحتمل أن دقة التقاليد وتهذيبها في حد ذاتها قد اعترضت العلم القديم؛ فقد كان هناك كثرة من الأفراد العلماء، من أبقراط إلى أرشميدس وأراستوثينس، ممن أسلموا أنفسهم للمهمة غير الكريمة؛ مهمة التنقيب عن الوقائع. وربما لم تنجذب خير العقول نحو العلم، وإن يكن مثل هذا التفسير لا يقوم على دليل مقطوع به.

وهناك عامل آخر ينبغي أن نقر به؛ فسوف نرى مرة أخرى الرأي الذي يقول بأن انتصار المسيحية - باهتمامها بالعالم الآخر - هو الذي يعزى إليه فشل الإغريق والرومان في علاج المشكلات المتعددة في هذه الدنيا، بما فيها - بطبيعة الحال - مشكلات العلم، ولكن عامل الزمن - في هذه الحالة بعينها على الأقل - يبرئ المسيحية من المسئولية، ذلك أن المسيحيين لم يكن لهم في الواقع تأثير في الإمبراطورية الرومانية حتى ختام القرن الثاني بعد الميلاد. وكان العلم الهلينستي قد بلغ قمته وبدأ يتدهور، أو يتطور مع الزمن، قبل ذلك بعدة قرون.

نامعلوم صفحہ