افکار و رجال: قصہ فکر غربی
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
اصناف
وليس معنى هذا أن المفكرين المجددين كانوا ضد الدين، أو أنهم كانوا ماديين. نعم كان بعضهم كذلك، كما كان كثير من المفكرين الإغريق والرومان المتأخرين بتعبيرنا في الوقت الحاضر عقليين كاملين. ولكن العقل عند الإغريق في العصر العظيم كان أداة جديدة مثيرة يستخدمونها في كل التجارب البشرية بما فيها التجربة البشرية التي تتعلق بالأمور المقدسة. ويستطيع المرء على أكثر تقدير أن يقول إن الإغريق الأوائل استخدموا العقل في ثقة وفي مجال فسيح، وأنهم كانوا يحبون نسج النظريات، وأنهم لم يحسنوا ذلك الضرب من جمع الحقائق البطيء وملاحظتها واختبارها الذي يستخدمه العلم الحديث. وقد جمع الإغريق فيما بعد كثيرا من الحقائق في البحث والعلم، وقل من الناس منذ ذلك الحين من جمع من الحقائق أكثر مما فعل أرسطو.
وجدير بنا أن نسير في هذه المسألة - مسألة الطريقة التي كان يعمل بها العقل الإغريقي - شوطا أبعد من ذلك قليلا. وتواجهنا في هذه المرحلة مشكلتان فلسفيتان على الأقل غاية في القدم: مشكلة التعميم، ومشكلة المتشابه وغير المتشابه التي ترتبط بها.
وقد قلت - أولا - منذ حين «الطريقة التي يعمل بها العقل الإغريقي»، ولكن هل كان هناك عقل إغريقي؟ ألم يكن هناك الملايين من أفراد الإغريق، لكل عقله الخاص؟ في أي جمجمة محسوسة يستقر هذا «العقل الإغريقي» العجيب؟ وسنعود بشكل جدي إلى هذه المشكلة - مشكلة التعميم - حينما نصل إلى أوروبا في العصور الوسطى، حينما احتلت بين المثقفين مكانة مركزية، أما هنا فيكفينا أن نلاحظ أن هناك آراء جانبية حول المشكلة، وهناك وسائل نتجنب بها الحكم بأنه كانت هناك عقول إغريقية بقدر ما كان هناك من إغريق، ووسائل نتجنب بها الحكم بوجود عقل إغريقي واحد، هو اللب أو النمط في كل التفكير الإغريقي (وهو حكم أشد سخفا من سابقه في نظر الأمريكي العادي).
ويقع حل المشكلة في هذه العبارة المألوفة «رأيه الخاص»، وذلك أن «كلا منا» يحب بطبيعة الحال أن يعتقد أن له رأيا خاصا. ولكن هل نعتقد حقا أن لكل أمريكي من المائة المليون البالغين رأيا خاصا؟ وهل تمتلئ الملايين العديدة من هذه العقول في أكثر الأحيان بنفس الرأي، بالأفكار التي تصاغ على صورة واحدة بالراديو والصحف، وهوليوود والمدرسة، والكنيسة وكل العوامل التي تلعب بعقولنا؟ وهناك من غير شك العصاة، والمنشقون، والذين «يخالفون» عن عمد - وإن يكن حتى هؤلاء يتجمعون في طوائف صغيرة تشترك في كثير من الآراء. والواقع أن قولنا: «العقل الإغريقي»، و«العقل الأمريكي» مفيد؛ لأنه يقابل واقع الخبرة العادية.
ويمكن أن يساء استخدام أمثال هذه العبارات بالمبالغة في تبسيطها، وتجميدها، وتهوين العلاقة بينها وبين الواقع. ولكنا لا نستغني عنها في مرحلة النمو العقلي التي بلغناها نحن المحدثين.
فلنسلم إذن بأن هناك عقلا إغريقيا، وأن هذا العقل يعمل في كثير من الأحيان بنفس الطريقة التي يعمل بها العقل الأمريكي. ولكن أليست كل العقول - كالعقل الصيني، وعقل البوشمان - أقرب إلى التشابه منها إلى الاختلاف؟ إن أمامنا هنا وجها خاصا من أوجه المشكلة المنطقية التي تعرضنا لها فيما سبق على عجل. وكحل عملي - مرة أخرى - نقول إن بين الجنس البشري، والمجموعات البشرية، أوجها من التشابه وأوجها أخرى من الخلاف، وإن من واجبنا أن نحاول وصف الجانبين، وربما كان آمن - على سبيل المثال - أن نقول إن أجهزة الهضم في الكائنات البشرية متشابهة، وإن الخلاف في أدائها وظائفها خلاف بين فرد وآخر، وليس خلافا بين جماعة وأخرى، وإن يكن هذا الخلاف عظيما ويرجع إلى أسباب معقدة. ويمكن بعبارة أخرى أن نقول إنك قد تستطيع أن تقسم الناس قسمين: أصحاب الهضم الجيد وأصحاب الهضم السيئ، إلا أن الأفراد في كل مجموعة لا يكادون يشتركون في شيء. وإذن فهذه ليست بالمجموعات الحقيقية، من ذلك النوع الذي يدرسه المؤرخون وعلماء الاجتماع.
والكائنات البشرية - من ناحية أخرى - تختلف اختلافا بينا في لون البشرة. ويمكن تقسيم كل الكائنات البشرية في نوع من أنواع الطيف اللوني، كل لون فيه يدخل في غيره، من الأسود الفاحم إلى ناصع البياض - وإن يكن من العسير جمع الحقائق التجريبية التي تتعلق بهذا التقسيم؛ فالخلافات الفردية إذن لها أهميتها القصوى. ومع ذلك فالمجموعات - من الرجل الأبيض، إلى الرجل الأصفر، إلى الرجل الأسود - لها أهمية أكبر. هذه المجموعات، أو هذه العناصر، ليست كما يظن الجاهلون أو المتعصبون، «لكن لا ينكر أنها من حقائق الحياة». وربما كان بين الصيني المتوسط، والأمريكي المتوسط، والأفريقي الزنجي المتوسط - إذا جمعنا كل الصفات البشرية وكل ضروب نشاط الإنسان - من التشابه أكثر مما بينهم من الخلاف. ولكنهم يختلفون في لون البشرة، وعلى هذا الخلاف قامت أهمية كبرى في العلاقات الإنسانية.
وإذا تحدثنا عن أوجه الخلاف وأوجه الشبه بين عقول الناس، كان أمامنا بالتأكيد مجموعة من المشكلات ليست أقل تعقيدا من مشكلات اختلاف اللون. والفروق الفردية هنا عظيمة جدا، وهي تتقاطع بشكل واضح مع حدود المجموعات، من حيث القومية، والطبقة، واللون، وما شابه ذلك، وإذا قصدنا بالعقل ما يقصده الفسيولوجيون ب «الذهن»، فإن الخلافات الفردية تكون واضحة. وإذا قصدنا «عقل الجماعة»، فهناك فعلا مجموعات تشترك في الرأي، والعاطفة ، والعادات العقلية، التي تختلف من الآراء والعواطف، والعادات العقلية للمجموعات الأخرى. وليس من شك في صدق ذلك إذا نحن حكمنا «بثمار» النشاط العقلي. فإن مقطوعة من هومر حتى في الترجمة إلى الإنجليزية تختلف عن أي مقطوعة من العهد القديم العبري أو من كتاب الموتى المصري. والتمثال الإغريقي لا يشبه التمثال الهندي القديم، والمعبد اليوناني لا يشبه ناطحة السحاب الأمريكية.
فإذا قلنا إن الإغريق هم أول من استخدم التفكير الموضوعي بطريقة معينة، وإن الإغريق عاشوا في جو عقلي يشبه جونا العقلي في كثير من الوجوه، ويختلف كل الاختلاف عن تفكير جيرانهم، إذا قلنا ذلك فنحن نصدر حكما عاما جدا من نوع الأحكام التي لا مناص لنا من إصدارها في مثل هذه الأمور، إن الكيموي يمتلك من طرق التحليل ما يمكنه من التحديد، والوزن، والقياس بدقة بالغة، فيستطيع أن ينبئك من أي الوجوه يشبه مركب مركبا آخر، ومن أي الوجوه يختلف المركبان. ولا يستطيع دارس البشر أن ينبئك إن كان الناس عامة إلى الخلاف أقرب منهم إلى التشابه؛ فالناس مركبات معقدة أشد تعقيد.
وبالطبع كان هناك من الإغريق القدامى من لم يفكر تفكيرا منطقيا - وسوف نلتقي ببعضهم. كان هناك من الإغريق القدامى من كانوا بمزاجهم على الأقل يطمئنون في فلسطين أو الهند أو الولايات المتحدة في العصر الحديث. وكل ما نستطيع أن نذكره هنا ونحن آمنون هو أن مجال نشاط العقل الإغريقي فسيح جدا، وفي داخل هذا المجال معيار، أو نمط، أو طريقة من طرق التفكير المميزة أسميناها التفكير المنطقي، وهي نصف التفكير الشكلي الإغريقي (أو الفلسفة) كما تصف الثقافة العامة الأوسع التي نظنها إغريقية خاصة بالإغريق.
نامعلوم صفحہ