بذلك، فقال: اتبعنا قول الشافعي، دون غيره من الأئمة، لأنا وجدنا قوله أحج١ الأقوال وأعدلها، "لا أنا"٢ قلده في قوله٣.
قلت: دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقًا من كل وجه لا يستقيم إلا أن يكون قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق، وفازوا برتبة المجتهدين المستقلين، وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم، أو أحوال أكثرهم، وقد ذكر بعض الأصوليين منا: أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل٤.
وحكى اختلافًا بين أصحابنا، وأصحاب أبي حنيفة في أبي يوسف٥،
_________
١ في ف وج "أحج من الأقوال".
٢ من ش، وكتبت في باقي النسخ "لانا".
٣ اقتبس الفقرة النووي في المجموع: ١/ ٧٧، وانظر "شرح عقود رسم المفتي المفتي" للعلامة السيد محمد أمين الشهير بابن عبدون الحنفي، طبع الأستانة: ١/ ٣١، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: "٤/ ٢١٣-٢١٤": " ... وكل منهم يقول ذلك عن إمامه، ويزعم أنه أولى بالاتباع من غيره، ومنهم من يغلو فيوجب اتباعه، ويمنع من اتباع غيره.
فبالله العجب من اجتهاد نهض بهم إلى كون متبوعهم ومقلدهم أعلم من غيره، أحق بالاتباع من سواه، وأن مذهبه هو الراجح، والصواب دائر معه، وقعد بهم عن الاجتهاد في كلام الله ورسوله، واستنباط الأحكام منه، وترجيح ما يشهد له النص، مع استيلاء كلام الله ورسوله على غاية البيان، وتضمنه لجوامع الكلم، وفصله للخطاب، وبراءته من التناقض والاختلاف والاضطراب، فقعدت بهم هممهم عن الاجتهاد فيه، ونهضت بهم إلى الاجتهاد في كون إمامهم أعلم الأمة وأولاها بالصواب، وأقواله في غاية القوة وموافقة السنة والكتاب، والله المستعان".
ونقل السيوطي كلام ابن الصلاح رحمه الله تعالى في كتابه "الرد على من أخلد إلى الأرض": ٩٥.
٤ المجموع: ١/ ٧٨.
٥ هو "القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، صاحب أبي حنيفة ﵁، كان فقيهًا عالمًا حافظًا. قال عمار بن أبي مالك: ما كان في أصحاب أبي حنيفة مثل أبي يوسف، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة" ترجمته في تاريخ بغداد: ١٤/ ٢٤٢، أخبار القضاة لوكيع: ٣/ ٢٥٤، وفيات الأعيان: ٦/ ٣٧٨، تذكرة الحفاظ: ١/ ٢٩٢، العبر: ١/ ٢٨٤، مرآة الجنان: ١/ ٣٨٢.
1 / 93