وكان لا ينسى ملاحته وتيهه بها، وقد جاوز الشباب كما قال من شعره:
تتيه علينا أن رزقت ملاحة
فمهلا علينا بعض تيهك يا بدر
فقد طالما كنا ملاحا وربما
صددنا وتهنا ثم غيرنا الدهر
وتكاد تتمثل لنا من هذه الملامح صورة نرجسية للحس والعيان قبل النرجسية التي يدور عليها بحث علماء الأمراض النفسية، فالبياض والرقة والنعومة والملاحة والشعر المتهدل أشبه ما تكون بملامح الفتى نرجس، الذي حنا على الجدول فاستحال نرجسة واتخذه الأسطوريون اليونان نموذجا للجمال المفتون بمحاسنه.
ودلالات التكوين الأخرى تتم هذه الملامح فيما تسمعه الأذن ولا تراه العين، فاللثغة وبحة الصوت تشيران إلى تكوين وسط بين كيان الصبي وكيان الشباب الناضج، وليس هذا الاحتباس في جهاز الصوت موضعيا لا يرتبط بحالة كامنة في وظائف البنية؛ لأنه غير مقصور على لثغة اللسان بل شامل للحنجرة كما يبدو من بحة الصوت التي لا تفارقه، ولعلهم لو كانوا في زمانه يعرفون مراكز الدماغ التي تسيطر على النطق عامة لأضافوا إلى ذلك لوازم أخرى مع اللثغة والبحة الحنجرية، ولكن ما ذكروه كاف للدلالة على أن النقص شامل لجهاز النطق كله، وما يليه من الغدد التي تسيطر على إعداد البنية للمراهقة، وليس بالمقصور على الحنجرة واللسان.
ولا يخفى أن جهاز النطق شديد العلاقة بالنمو الجنسي في الرجال على الخصوص، فلا يدرك الرجل سن النضج حتى يغلظ صوته، ويعمق ويبرأ لسانه من لكنة الطفولة ولثغات الحروف، فإذا عم النقص لسانه وحنجرته كان لذلك علاقة بوظائفه الجنسية مدى الحياة.
وتضاف إلى لثغة أبي نواس، وبحته ظاهرة لها علاقة بالنفسية الجنسية، وبالكيان الجسدي المتصل بهذه النفسية، فالضفيرة التي كانت مرسلة من رأسه تنبئ من الوجهة النفسية التي كان أهله يشعرون بها ولا ريب عن صبي شبيه بالبنات ترسل له الضفائر تدليلا ومجاراة لسيماه الغالبة عليه، هذا التدليل من علامات النرجسية التي يرجع فيها إلى أثر البيت والتربية.
ويظهر أن أبا نواس قد أراد الاحتفاظ بهذه الضفيرة بعد بلوغه سن الرجولة معتزا بغزارة شعره، فأشفق من السخرية والعبث ولم يسترح إلى نبذها مرة واحدة، فاستعاض عنها بتسفيط شعره وبقائه منسدلا على جبهته وقذاله، وهذا إلى نعومة الجسم وخلوه من الشعر، علامة جنسية لا تهمل مع إضافتها إلى غيرها من العلامات المتوافقة.
نامعلوم صفحہ