فما هي حقيقة الشخصية النواسية التي أشاعت ذكره في أيام حياته، وقبل أن تتحول بها الشهرة من دلالة إلى دلالة؟
أيسر ما يقال في كلمة واحدة أنه «إباحي».
وقد كان حقا إباحيا غاليا في الإباحة، إذا كان المقصود بالإباحة أنه كان يستحل المحرمات، ويخالف الدين والعرف والطبيعة.
ولكن الإباحي قد يخفي رذائله وموبقاته، وقد يداري الناس ويتسم بينهم بسمة الصلاح والتقوى، ولعل الأكثرين من الإباحيين في عصر أبي نواس خاصة كانوا على هذه السنة؛ لأنه كان باتفاق واصفيه عصر شكوك واختلاط ونفاق.
وأيسر ما يقال بعد ذلك أنه «إباحي متهتك» يظهر أمره، ولا يتكلف لإخفائه.
وذلك كذلك وصف صحيح، فمن قال عن أبي نواس: إنه «إباحي متهتك» فقد وصفه بما كان عليه؛ لأنه كان يقارف المنكرات ويعلنها ولا يحفل بمداراتها، وهذا يكفي للصدق في وصفه على حقيقته، ولكنه لا يغني شيئا إذا كان المقام مقام دراسة نفسية، إذ المرء قد يستبيح الرذائل ويتهتك في البطالة، ويتمادى في تهتكه غادية التمادي لعلتين متناقضتين ترجع كل منهما إلى خلال نفسية بعيدة من خلال الأخرى في بواطنها وظواهرها.
فقد يتهتك المرء؛ لأنه هين على نفسه يعلم أنه هين على الناس، مسلم بحقارته، شاعر بقلة الجدوى من التستر والمداراة، وأنه يهبط من المهانة إلى حضيضها، فلا ينفعه أن يحتجب ولا يضره أن يتكشف ويتبذل، ومثله في هذا مثل الوضيع الساقط الذي لا يبالي أن يخرج للناس في مباذله، إذ ليس له زي غير زي المباذل، ولسان حاله كلما أحاطت به نظرات الاحتقار قول القائل:
أنا الغريق فما خوفي من البلل
بل لعل النظرات لا تحفل به وتتخطاه لهوان شأنه، فلا تقف عنده محتقرة أو غير محتقرة.
هذه حالة من حالات التهتك أو المجون، وهو كلمة واحدة في اللغة العربية تعبر عن الإباحة المتهتكة.
نامعلوم صفحہ