115

ابو نواس

أبو نواس: الحسن بن هانئ

اصناف

فعقدة أوديب قابلة للتفسير بتخريجات كثيرة غير العاطفة الجنسية، وهي في القصة التي نسرد خلاصتها صالحة للمقارنة بين بطلها وبين أبي نواس؛ لأنها تشتمل على عقدة الأب ومحالفة الشيطان، وبطلها فنان يتعاطى الخمر، ويكثر منها أحيانا فتتجسم أمامه الرؤى والأشباح.

تناول فرويد موضوع هذه القصة في تقرير مفصل كتبه سنة 1923، وبناه على وثيقة مأخوذة من دار المحفوظات الإمبراطورية بمدينة فيينا فحواها أن المصور «كريستوف هايتزمان» من أهالي بافاريا عاهد الشيطان، وكتب معه عقدا موقعا بالمداد الأسود، ثم عقدا موقعا بالدم على أن يبيعه روحه ويسعد بمعونته، وحدث ذات يوم (29 أغسطس سنة 1677) أن هذا المصور كان يصلي في الكنيسة، فسقط مصروعا وجيء به إلى الأسقف، فاعترف له بتلك المعاهدة وتوسل إليه أن يسأل السيدة العذراء أن تعتقه من أوهاق الرجيم، وتسترد منه الوثيقة التي تسلط بها عليه، ثم رأى المصور بعد فترة قضاها في التوبة والتكفير أن الشيطان جاءه بوثيقة الدم، وحفظ عنده وثيقة المداد الأسود، فشفى من داء الصرع برهة ثم عاودته النوبات، وتمثلت له في خلالها الأطياف المقدسة من عليين، ووقع في روعه أنها لا ترضى عنه ما بقيت في حوزة الرجيم تلك الوثيقة السوداء.

ويستدل من الأوراق المحفوظة على سر هذه المعاهدة، وهو حالة اليأس والهبوط التي استولت على الفتى بعد فقد أبيه فحرمته لذة الإقبال على العيش، ثم حرمته فوق ذلك قدرته على إتقان فنه، فاضطربت موارد رزقه وغامت على عقله غيمة الخوف والتشاؤم، وظهر له الشيطان في إبان هذه الأزمة. فساومه على روحه، وأطمعه في رد كل ما فقده من بشاشة العيش وبراعة الفن، فانقاد له، ولكنه رفض ما عرضه عليه الشيطان من العلم بطلاسم السحر، والمتعة بالمسرات والأموال، ولم يطلب منه إلا طلبة واحدة، وهي أن يكون ابن جسده وأن يندمج فيه روحا وبدنا بعد تسع سنين، وأن يحل في خلال هذه السنوات التسع محل أبيه.

وللقصة حواش متفرعة لخصها فرويد في رسالته، وعلق عليها فكان موفقا في جوهر تعليقاته.

قال: إن عجز المصور عن إتقان فنه بعد وفاة أبيه إن هو إلا طاعة مرجأة

Deferred obedicnce ؛ لأن أباه كان ينهاه عن الاحتراف بهذا الفن، فعصاه أثناء حياته وغام عليه تبكيت الضمير بعد موته، ففر من هذا الفن وعزفت عنه نفسه وتعذر عليه إتقان صوره، فكسدت سوقه وبارت تجارته وثقلت عليه أعباء العيش وتبكيت الضمير، فساورته الأوهام وود الخلاص، وهو يؤمن كغيره من أبناء القرون الوسطى بقدرة الشيطان على السحر والطب، فخيل إليه الوسواس أنه عاقده، واعتمد على سنده، وشخصه في صورة أبيه الذي يحنو عليه ويرعاه.

قال فرويد ما فحواه: إن شعور الابن بأبيه - ولا سيما الابن المختل كهذا المصور - هو شعور مزدوج متقابل

Ambivalent

يريه أباه في صورة الحامي الودود، وفي صورة العائق المخيف معا، فهي صورة تلتبس في باطن السريرة بصورة الشيطان المقتدر المرهوب، وما كان الشيطان عند ذلك المصور إلا بديلا من أبيه لا يبغي منه إلا الحماية والإنقاذ.

والقصة في جملتها تغري بالمقارنة بين هذا المصور وأبي نواس، فكلاهما فنان وكلاهما يعاقر الخمر وكلاهما يحالف الشيطان على نهجه.

نامعلوم صفحہ