للشيطان تاريخ قديم مع الشعر، وموقع متغلغل في الدراسات النفسية، وأولها دراسة الدخائل المرضية.
فنحن نعلم من أدب الجاهلية قصة أولئك الشياطين الذين يصحبون الشعراء، ويوسوسون لهم بدقائق المعاني وخفايا الأفكار التي لا ينفذ إليها الناس بغير معونة الجن، ونعلم من شعر النابغة أن الجن هي التي بنت لسليمان بن داود هياكل بعلبك كما قال:
إلا سليمان إذ قال المليك له
قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيس الجن أني قد أذنت لهم
يبنون تدمر بالصفاح والعمد
ولكن الشيطان هنا شيطان فني أو أستاذ فنان لا شأن له بوساوس الضمائر ووساوس الأخلاق، وكل شأنه أن يصنع ما يعجز الإنس عن صنعه لدقته أو ضخامته وفخامته، وقد كان أرباب الفصاحة كما قال أبو العلاء:
كلما رأوا حسنا عدوه من صنعة الجن
هذا الشيطان «الفني» لا يعني أصحاب الدراسات النفسية، ولا مدخل له في الوساوس المرضية، إنما يعنيهم الشيطان «الأخلاقي» الذي يرمزون به لحالة من حالات الضمائر على سواء أو على عوج؛ لأنهم يرمزون به أبدا لقيمة وجدانية تتشخص في ضمير الإنسان على نحو من الأنحاء.
وعلى هذا لم يكن الشيطان عندهم شيطانا واحدا بل عدة شياطين، وهم يصاحبون الشعراء أيضا في هذا المجال، ولكن الآية في هذا المجال معكوسة يقوم فيها الشعراء بصنع شياطينهم على الصورة التي يتخيلونها، فكل شيطان هو بطل يصوره الشاعر كما يصور أبطال ملامحه وتواريخه، ويكاد كل شيطان من هذا القبيل أن يعرف باسم شاعره المختار. فهناك الشيطان رمز الكبرياء والتمرد، وقد صوره الشاعر الإنجليزي ملتون
نامعلوم صفحہ