ونقل الصفدي عن خط علاء الدين الوداعي، قال: زرت قبره بالمعرة - رحمه الله تعالى - في ربيع الأول سنة تسع وسبعين وست مئة، ولم أر عليه شيئا من ذلك، وقد دثر ولصق بالأرض، وعملت هذين البيتين:
قد زرت قبر أبي العلاء المرتضى
لما أتيت معرة النعمان
وسألت من غفر الخطايا أنه
يهدي إليه رسالة الغفران
قلت: وقبره معروف إلى اليوم، أي سنة 1327 بالمعرة، ولأهلها اعتقاد كبير فيه، ويزعمون أن الماء إذا بيت في قارورة عند قبره، وشربه في الغد صبي به حبسة في لسانه، أو بلادة في ذهنه، زال ذلك عنه ببركة أبي العلاء.
ونقل ياقوت في «إرشاد الأريب» عن ابن الهبارية، أن السبب في وفاة أبي العلاء مكاتبات جرت بينه وبين أبي نصر بن أبي عمران داعي الدعاة بمصر، دعت إلى الأمر بإحضاره إلى حلب، ووعده على الإسلام خيرا من بيت المال، فلما علم أنه يحمل للقتل أو الإسلام سم نفسه فمات. قال ياقوت: وقد ظفرت بتلك الرسائل، فلم أجد بها ما يدل على ما ذهب إليه ابن الهبارية. انتهى. وأقول: هذه الرسائل هي التي لخصها ياقوت في كتابه المذكور، وقد ظفرت بها أنا أيضا، وهي عندي تامة في نسخة مخطوطة، وليس فيها شيء من ذلك. وبعد فأي إسلام كان يريده منه داعي الدعاة، وهو رئيس الباطنية في الدولة الفاطمية، والداعي إلى مذهبهم، ونحلة القوم معروفة لا تحتاج لبيان. ومن راجع دعواتهم في خطط المقريزي علم كيف كانوا يأخذون الداخل في مذهبهم بتشكيكه في دينه أولا، ثم الخروج به رويدا رويدا من الإسلام، حتى ينتهوا به إلى الإلحاد. فهل كان ما عليه هؤلاء القوم هو الإسلام في نظر ابن الهبارية حتى يتبجح بهذه الدعوى؟
وكان - رحمه الله - قصير القامة، نحيف الجسم ضعيفه، مشوه الوجه بآثار الجدري، ومني في آخر عمره بالإقعاد، ولما مات ختم عند قبره في أسبوع واحد مئة ختمة، وفي رواية: مئتان، واجتمع عليه خلق كثير، وأنشد أربعة وثمانون شاعرا مراثيهم فيه. منها قصيدة طويلة لتلميذه علي بن همام، يقول فيها:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة
فلقد أرقت اليوم من جفني دما
نامعلوم صفحہ