وتزايد القلق وعظم الهول واشتد بالناس الكرب، والرئيس يسأل عن المتطوعين فلا يجد جوابا شافيا من أحد، ولن يزال في ترقبه وقلقه يذرع ردهات البيت الأبيض جيئة وذهابا وهو مطرق يتفكر، ويسأل موظفيه فلا يظفر منهم إلا بتقليب الأكف والصمت، وينزل الرئيس إلى الشارع وما يزال يمشي حتى يصل إلى مقر جنده، فيسألهم عما إذا كان لديهم نبأ عن المتطوعين ومتى يصلون فلا يجد عندهم شيئا، ويحس الرجل بحرج بالغ، ويرى أنه في أشد ما عرف من محنة حتى يومه هذا، ويبلغ به الضجر أن يصيح قائلا: «بدأت أعتقد أن لا شمال هناك!»
ويصل إلى العاصمة بعد بضعة أيام قطار يهرول الناس إلى المحطة على صوت صفيره، فتقع أعينهم على أول فرقة من فرق المتطوعين وهي فرقة نيويورك، وتعظم حماسة الجميع فيتصايحون ويرددون الأناشيد، وينتعش الأمل في النفوس وهي ترتقب وصول فرق أخرى.
ويبحث الرئيس عن القائد الذي يكل إليه أمر هذه الحرب فلا يجد خيرا من قائد يدعى «لي»، وكان يومئذ غالبا في فرجينيا وقد حدثه الثقات أنه الرجل الذي ينهض بهذا العبء في ساعة العسرة هذه، ولكن لي يرفض قيادة الجيش فيجزع لنكولن ويكتئب، ويصور القائد سكت للرئيس الخسارة بقوله إن رفض لي أشد ضررا مما لو فقد الشمال عشرين ألف رجل.
ويستقيل لي من منصبه وقد انسحبت فرجينيا من الاتحاد وإن لم تنضم بعد إلى الجنوبيين، ويوضع لي على رأس جنود فرجينيا للدفاع عنها، ولن يلبث إلا قليلا حتى يصبح القائد العام للجيوش الجنوبية، وقد انضمت فرجينيا إلى الاتحاد الجنوبي ونقلت إلى عاصمتها رتشمند حكومة دافيز.
وبينما كان يبحث الرئيس عن قائد غيره ينذره أهل بلتيمور عاصمة ماري لاند - وهم الذين تآمروا من قبل على قتله - أنهم لا يسمحون بمرور جند من ولايتهم لأنهم محايدون. ويتعجب الرئيس قائلا إنه لا بد من المدد، ولا يستطيع الجنود أن يطيروا فوق ماري لاند ولا أن يزحفوا تحت أرضها، فكيف يمنعهم أهلها أن يمروا خلالها؟
وينقض أهل بلتيمور بعد ذلك على فرقة قادمة من مساشوست، كانت من أقوى الفرق وأعظمها نظاما، فيقتلون عددا منها ويجرحون عددا، ويحمل الجرحى على محفات إلى وشنطون، فتلهب جراحهم حماسة القوم وتثير حميتهم وتزيد بأسهم.
ولم يكتف الثوار في بلتيمور بما فعلوا، فحطموا الجسور التي تصلهم بالشمال والغرب، وعطلوا خطوط الحديد المؤدية إلى وشنطون، ولكن أحد القواد البواسل الموالين للرئيس لنكولن خرج من وشنطون على رأس فريق من المتطوعين وباغت المدينة ليلا، وقبض على كثير من الثوار، وقتل نفرا منهم ففت ذلك في عضدهم، ثم أعلنت ولاية ماري لاند - وقد خضعت عاصمتها على هذا النحو - انضمامها صراحة إلى الاتحاد، وكانت هذه الخطوة من جانب المتطوعين أولى خطواتهم الموفقة.
وأعلن الرئيس لنكولن الحصار البحري على موانئ الاتحاد الجنوبي ليقطع الصلة بينها وبين العالم، ثم أهاب بالولايات الخاضعة له أن تمده بمدد جديد من المتطوعين، فما لبث أن أمدته بما طلب، حتى لقد غصت وشنطون بهؤلاء المستبسلين الذين أراد لنكولن أن يستعيض بحماستهم عما يعوزهم من التدريب والنظام.
وفي تلك الأيام العصيبة نرى دوجلاس خصم لنكولن القديم يسعى إلى البيت الأبيض، ويقابل الرئيس ويفضي إليه بإعجابه بما انتهج من خطة، ويعده أن يظل إلى جانبه خادما لقضية الاتحاد، وتتوثق عرى المودة بين الرجلين، ويستأذن الرئيس صديقه الجديد أن يذيع في الناس هذا النبأ، فيأذن دوجلاس مغتطبا بعد أن يقرأ ما أعد للنشر، ويقابل الجمهوريون هذا النبأ بالابتهاج، ويشعرون بقوة جديدة يظفر بها أهل الشمال.
ولا يني دوجلاس يدافع عن الرئيس وسياسته، يخطب الناس في المدن يستحثهم إلى البذل والتضحية، ولا يفتأ يضع بين يدي الرئيس من نصحه ومشورته ما يحرص الرئيس على الانتفاع به.
نامعلوم صفحہ