اضطر لأن يمنع نفسه من أن يضحك بصوت مسموع. قال: «ما الجدوى من ذلك؟ لقد أعلنتم للبلد بأسره أنكم تطلقون على أنفسكم اسم «السمكات الخمس». أفترض أن رولف عندما يتصل بك يقول: «هنا رنجة يتصل بمنوة.» على أمل أنه إن كانت شرطة الأمن الوطني تتنصت على المكالمة فسيشدون شعورهم ويعضون أناملهم من فرط الحيرة.»
قالت: «حسنا، لقد أوضحت وجهة نظرك. نحن لا نستخدم تلك الأسماء فعليا، ليس كثيرا على أي حال. كان مجرد فكرة من بنات أفكار رولف.» «اعتقدت ذلك.» «اسمع، هلا توقفت عن ذلك الحوار التهكمي؟ نحن نعلم أنك ذكي وأن التهكم هو وسيلتك للتباهي بذكائك أمامنا، لكنني لا أتحمله الآن. ولا تهاجم رولف. إن كان يهمك أمر جوليان، فتوقف عن ذلك، هلا فعلت؟»
ظلا صامتين لبضع دقائق. نظر إلى ميريام فوجد أنها تحملق في الطريق أمامها بانفعال بالغ كما لو كانت تتوقع أن تجده ملغما. كانت تقبض بيديها على الحقيبة بإحكام حتى ابيضت براجمها، وشعر أنها تجيش بحماس يكاد يتجسد أمامه. أجابت عن أسئلته، لكن ذهنها كان شاردا عنه.
ثم تكلمت، وعندما نطقت باسمه، باغتته قليلا تلك اللفتة الحميمية التي لم يكن يتوقعها. «ثيو، ثمة أمر يجب أن أخبرك به. قالت لي جوليان ألا أخبرك حتى ننطلق في طريقنا إليهم. ليس لأنه اختبار لمصداقيتك. فهي كانت تعلم أنك ستأتي إن أرسلت في طلبك. لكن إن لم تفعل، إن منعك أمر مهم، أو لم تستطع أن تأتي، لم أكن سأخبرك. فحينها لن يكون ثمة داع لإخبارك على أي حال.» «إخباري بماذا؟» نظر إليها مطولا. كانت لا تزال تحملق في الطريق أمامها، وشفتاها تتحركان بصمت كأنما تبحث عن الكلمات المناسبة. «تخبرينني بماذا يا ميريام؟»
قالت وهي لا تزال تشيح بنظرها عنه: «لن تصدقني. ولا أتوقع أن تصدقني. لكن عدم تصديقك لا يهم لأنه خلال أكثر بقليل من ثلاثين دقيقة سترى الحقيقة بنفسك. كل ما أطلبه منك هو ألا تجادلني بشأن ما سأقول. فأنا لا أريد في الوقت الحالي أن أضطر لتحمل أي اعتراضات أو مجادلات. لن أحاول إقناعك، فتلك مهمة جوليان.» «فقط أخبريني. وسأقرر إذا ما كنت سأصدقك أم لا.»
حينها التفتت برأسها ونظرت إليه. قالت بصوت واضح يعلو على ضجيج المحرك: «جوليان حبلى. لهذا السبب تحتاج إليك. ستلد طفلا.»
خلال فترة الصمت الذي تلت ذلك، انتابه أولا شعور غامر بخيبة الأمل تلاه شعور بالضيق ثم بالاشمئزاز. كان من الصعب عليه أن يصدق أن جوليان قادرة على خداع نفسها بتصديق ذلك الهراء أو أن ميريام كانت تمتلك من الحماقة ما يجعلها تسايرها في الأمر. فخلال مقابلتهما الأولى والوحيدة في بينسي، مع أنها كانت قصيرة، أعجب بها وكان يحسبها عاقلة وذكية. لم يحب أن يتعرض حكمه على شخص للتشويه إلى ذلك الحد.
بعد برهة قال: «لن أجادل في الأمر، لكني لا أصدق ما تقولين. لا أقول إنك تكذبين عمدا، فأنا أظن أنك تعتقدين أنه صحيح. لكنه ليس كذلك.»
كان ذلك، على أي حال، وهما شائعا فيما مضى. في الأعوام الأولى التي تلت أوميجا، كانت النساء في جميع أنحاء العالم يتوهمن أنهن حبليات، وكانت تظهر عليهن أعراض الحمل، ويمشين بفخر ببطون منتفخة؛ فقد كان يراهن يسرن في شارع هاي ستريت بأكسفورد. وكن يضعن خططا للولادة، حتى إنهن كان يأتيهن مخاض كاذب، ويتعالى أنينهن ويحاولن جاهدات لكن لا ينتج عن ذلك سوى الغازات والألم الشديد.
بعد خمس دقائق قال: «كم مر على تصديقك لتلك القصة؟» «قلت إني لا أريد أن أتكلم عن الأمر. قلت إن عليك أن تنتظر.» «قلت ألا أجادلك. وأنا لا أجادلك. بل أسألك سؤالا واحدا.» «منذ أن تحرك الجنين. فجوليان لم تعرف إلا حينها. وكيف كان لها أن تعرف؟ بعد ذلك تحدثت إلي وأكدت لها الحمل. فأنا قابلة، أتذكر؟ ظننا أنه من الحكمة ألا نتقابل أكثر من اللازم خلال الأشهر الأربعة الأخيرة. لو كنت رأيتها أكثر تكرارا لكنت علمت في وقت أبكر. حتى بعد مرور خمسة وعشرين عاما، كان حريا بي أن أعرف.»
نامعلوم صفحہ