فقالت وهي تتميز غيظا: الناس .. الطريق.
فاستعطفها بابتسامة قائلا: لا تبالي أناس هذا الطريق، فهم مجانين المال، ولا يرون إلا ما في رءوسهم من حسابات. هلا ملت إلى دكان صائغ فأنتقي منه حلية تليق بحسنك؟!
فاشتد غيظها لعدم مبالاته وقالت بوعيد: أتتظاهر بأنك لا تعبأ شيئا؟
فقال بهدوء والابتسامة لا تفارق شفتيه: لست أقصد إثارتك، ولكني انتظرتك لنتمشى معا، ففيم غضبك؟
فقالت بقوة: إني أمقت هذا التهجم، فاحذر أن تخرجني عن وعيي.
وطالع نذر الشر في وجهها فسألها في رجاء: أتعدينني بأن نسير معا؟
فهتفت به: لا أعد شيئا .. دع يدي.
فأطلق يدها دون أن يبتعد عنها، وقال لها متملقا: يا لك من جبارة عنيدة. هاك يدك، ولكننا لن نفترق، أليس كذلك؟
وتنهدت في غيظ، ونظرت إليه شزرا وهي تقول: يا لك من سمج مغرور!
فتقبل الشتيمة بابتسامة وصمت، وسارا جنبا لجنب دون أن تبتعد عنه، وذكرت كيف تربصت له بالأمس القريب لتمثل به في هذا الطريق، ولكنها الآن لا تفكر في هذا، وحسبها أنها أجبرته على إطلاق يدها، بل لعله لو حاول استردادها مرة أخرى لما مانعت، وهل كانت غادرت بيتها وفي عقلها شيء غير لقائه؟! وفضلا عن هذا كله فقد ساءها أن يبدو أشد طمأنينة وجسارة منها، فسارت إلى جانبه غير عابئة بالسابلة، متخيلة ما سيحدثه منظره في نفوس فتيات المشغل من الدهشة المقرونة بالحسد، وسرعان ما عاود قلبها الشوق والاستهانة والرغبة الجامحة في الحياة والمغامرة .. وراح الرجل يقول: إني أعتذر عما بدر مني من خشونة، ولكن ما حيلتي في عنادك؟! تعمدت تعذيبي، وما أستحق إلا عطفك جزاء ما أكن لك من عاطفة صادقة، وما أبذل في سبيلك من عناء متصل.
Bilinmeyen sayfa