وما إن جاوزت الساعة الحادية عشرة حتى كان الطرف الأمامي للعاصفة قد وصل إلى منزل زيتون. واكتست السماء بلون رصاصي أدكن، وكانت الرياح باردة تدور في دوامات، وانهمرت الأمطار مدرارا. وكان الدمار الذي يحدثه الإعصار خارج المنزل يتصاعد كل نصف ساعة. وفي منتصف الليل انقطعت الكهرباء، وبدأ تسرب الماء إلى المنزل في الثانية أو الثالثة صباحا. بدأ التسرب في ركن غرفة النوم الخاصة بنديمة، فهبط زيتون إلى الجراج وأحضر صندوق قمامة معدنيا يسع أربعين جالونا ليسقط فيه الماء المتسرب، وانفتح ثقب في السقف بعد ذلك بدقائق، وبدأ الماء يتسرب منه، وكان هذه المرة في الطرقة العلوية، وأحضر زيتون صندوق قمامة معدنيا آخر. وانكسر زجاج نافذة في غرفة النوم الرئيسة بعد الثالثة صباحا بقليل، كأنما ألقيت طوبة اخترقت الشباك، وقام زيتون بجمع الشظايا وسد الفتحة بوسادة. وانفتح ثقب جديد في غرفة صفية وعائشة، فأحضر صندوق قمامة معدنيا آخر، أكبر هذه المرة.
وجر الصندوقين الأولين جرا إلى الخارج، وأفرغ الماء على الكلأ. وكانت السماء تشبه لوحة رسمها طفل بإصبعه المغموس في الألوان؛ إذ اختلط فيها اللون الأسود باللون الأزرق خلطا يوحي بالعجلة. وازدادت برودة الرياح، وساد الظلام الدامس الحي كله، وأثناء وقوفه على الكلأ سمع صوت ارتطام شجرة بالأرض، في مكان ما بالمربع السكني، بدأ بصوت انكسار تلاه صوت هسيس عند اندفاع أغصان الشجرة من خلال الأشجار الأخرى قبل أن تستقر على جانب أحد المنازل.
فدخل المنزل.
وجد أن نافذة أخرى قد انكسرت، فدس وسادة أخرى فيها ليسد الفتحة. وكانت أغصان الأشجار تخمش الجدران والسقف. وكان يسمع أصوات الارتطام في كل مكان، وبدا له أن عظام المنزل تئن تحت الضغط المتوالي. كان المنزل يتعرض للهجوم.
وعندما نظر في الساعة، فوجئ بأنها الرابعة صباحا، كان لم يتوقف عن الحركة والعمل لخمس ساعات متواصلة. إذا استمر الدمار بهذا المعدل، فسيكون الوضع أسوأ مما تنبأ. كل هذا ولم تبدأ العاصفة الحقيقية بعد.
وكان زيتون قد خطر له خاطر في الهزيع الأخير من الليل، لم يكن يتوقع أن يغمر المدينة فيضان ولكنه كان يعرف أن خطر الفيضان غير مستبعد. وهكذا خرج وتنسم الهواء البارد، وسحب من الجراج القارب المستعمل الذي كان قد اشتراه، ووضعه في الوضع الصحيح، كان يريد أن يكون القارب جاهزا.
وتمنى لو استطاعت كاثي أن تشاهده الآن! كانت عيناها قد دارتا ذهولا عندما شاهدته يعود إلى المنزل بذلك القارب. كان قد اشتراه منذ عدة سنوات من عميل في بايو سانت جون؛ إذ عندما كان العميل يقوم بالانتقال إلى منزل آخر، شاهد زيتون القارب في حديقة العميل، وكان من طراز معتاد ومصنوع من الألومنيوم، فسأل العميل إن كان يعرضه للبيع، وضحك العميل وقال: «هل تريد هذا؟» في دهشة وعجب. واشتراه زيتون من فوره بخمسة وسبعين دولارا.
كان قد استرعى انتباهه شيء ما في القارب، كان متقن الصنع، وليست به أضرار، وفي داخله مقعدان خشبيان. كان طوله نحو ست عشرة قدما، ومصنوعا لشخصين، كان فيما يبدو يوحي بالاستكشاف والفرار! فربطه على ظهر شاحنته واصطحبه إلى المنزل.
وشاهدته كاثي من نافذة غرفة المعيشة وهو يوقف السيارة، فقابلته لدى الباب وهتفت قائلة: «مستحيل!»
وقال زيتون مبتسما: «ماذا؟»
Bilinmeyen sayfa