164

وزحف بهم نحو الخصوم على هيئة «4» وافرة، وهيبة حاضرة، فكادت الأرض تمور، والجبال تثور، والنهار الناهر «5» يحول، والفلك الدائر يزل أو يزول. ونذر القوم بإقدامه، وإقبال ألويته وأعلامه، فقامت عليهم القيامة، واستفاضت فيهم [92 ب] الحسرة والندامة، وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون علما بما ارتكبوه من الأمر الإمر «6» واجتلبوه من الصيلم الإد «7». وحفزهم حافز الضرورة عن المشورة، ففزعوا إلى الاحتشاد، وبعثوا بالركوب إلى القواد والأفراد، وبرزوا من جدران المدينة، في أفواف وأصباغ يوم الزينة، وهم أكثر ما كانوا قط في معركة لحشرهم من أطراف خراسان وما وراء النهر كل فارس وراجل، وحامل عضب «1» أو عاسل «2»، سوى من استبقتهم تلك الدولة من كل فحل بازل، وبطل باسل، وشجاع مقاتل. وأقاموا الصفوف على الموازاة قلبا كمجتمع الليل، وميمنة كمندفع السيل، وميسرة مشحونة بأشاهب الخيل. وماج الفريقان بعضهم في بعض كالجراد «3» المنتشر ضربا يزيل الرؤوس عن العواتق، ويبين الزنود عن المرافق «4»، وطعنا يهتك ودائع الصدور، ويرد مشارع الغموم والسرور، ورشقا «5» يصيب «6» شواكل الأبصار، ويطلب وراء الفقار مضجع القرار.

واشتدت الحرب حتى تقلصت الشفاه، وتغضنت «7» الجباه، وتقطعت الأنفاس، وتحسرت الفرسان والأفراس، واغبرت الآفاق، واحمرت [93 أ] الحماليق «8» والأحداق.

وخاض الأمير سيف الدولة غمرة «9» الحرب يجتذب بالأوهاق «10» مطالع الأعناق، ويختطف بالأرماح ودائع الأرواح، ويغض «11» بالأسياف مجامع الأكتاف، حتى رويت الأرض من بزال «12» الحلوق، وغرقت الحوامي «13» في نواعر العروق.

Sayfa 172