Dinsel Varoluşçuluk: Paul Tillich Felsefesi Üzerine Bir Çalışma
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Türler
وأخيرا، قلق الخواء واللامعنى، التهديد الروحي لتأكيد الذات. الخواء تهديد نسبي؛ واللامعنى تهديد مطلق. ينشأ الخواء عن موقف تفشل فيه الذات في أن تجد إشباعا من خلال المشاركة في مضمونات حياته الحضارية والثقافية، فتفقد معتقدات الإنسان واتجاهاته وأنشطته معناها، وتتحول إلى موضوعات للامبالاة. نحاول في كل شيء، ولا نجد إشباعا من أي شيء، فتضمحل القوة الخلاقة المبدعة، تهدد الذات بالملالة والسأم. ويصل الخواء إلى ذروته في قلق اللامعنى، يشعر الإنسان أنه لم يعد يستطيع أن يمضي قدما، لا في تأكيد مضمونات حضارته ولا في تأكيد قناعاته الشخصية. هكذا تصبح الحقيقة ذاتها موضوعا للتساؤل، ويهدد الحياة الروحية شك كلي، ويثار التساؤل: هل ثمة شجاعة كينونة تؤكد-ذاتها على الرغم من تهديد العدم؟ والعدم هنا هو الشك الذي يهدد تأكيد الذات الروحي.
12 «الأنماط الثلاثة للقلق» من أخصب وأمتع أفكار تيليش، وتوضح مدى اتساق وتشابك أطر فلسفته المترامية الحدود؛ فتوضح مدى عمق وتغلغل وجوديته، إنها أساس فلسفته للوجود الإنساني الفردي، وأيضا أساس فلسفته الحضارية؛ فهذه الأنماط الثلاثة حاضرة في كل شخص وفي كل الأزمنة الحضارية، بيد أن واحدا منها هو الذي يسود ويصبغ العصر والشخص بصبغته، ويضوي النمطين الآخرين تحت لوائه، وكما أشرنا، في هذا العصر يسود القلق الروحي، قلق الخواء واللامعنى.
ولا سبيل البتة إلى محو القلق الوجودي، بأشكاله الثلاثة؛ فهو متأصل في صميم الموقف الإنساني بتناهيه؛ وليس يستطيع مواجهته واحتواءه إلا هؤلاء الذين يملكون شجاعة الكينونة، شجاعة تأكيد الذات على الرغم من تهديد القلق بوصفه وعيا وجوديا بالعدم ذي الأشكال الثلاثة.
وطالما أن النفس والعالم هما القطبان المشكلان لبنية الموقف الوجودي الفردي وأيضا لبنية الأنطولوجيا - كما أوضحنا - فإن شجاعة الكينونة لا بد أن تتضمن كليهما؛ فتتضمن شجاعة أن يكون المرء ذاته ويحقق وجوده الأصيل (النفس)، وتتضمن شجاعة المشاركة والتواجد بمعية الآخرين (العالم)؛ وباستفاضة يناقش تيليش محاولات الحضارة المعاصرة، التي هي علمانية أوتونومية، لمواجهة قلق الخواء واللامعنى الذي يهددها، وينتهي إلى أنها جميعها فاشلة، تعجز عن تحقيق شجاعة تتضمن الفردانية والمشاركة معا؛ الرأسمالية تنجح تماما في تحقيق شجاعة أن يكون المرء ذاته ولكنه يفقد شجاعة المشاركة؛ والاشتراكية تحقق شجاعة المشاركة، وتعجز عن تحقيق شجاعة أن يكون المرء ذاته، وبالمثل كل الاتجاهات الأخرى كالرومانتيكية والفاشية والنازية ... إلخ، لا سبيل إلى شجاعة الكينونة الحقيقية التي تتضمن الذاتية والمشاركة - النفس والعالم، إلا بشجاعة تضرب بجذورها في الألوهية، الوجود-ذاته، الذي يعلو على تضايف النفس/العالم فيحتويهما ويتجاوزهما. باختصار شجاعة الكينونة شجاعة دينية. والإيمان بالعناية الإلهية يقهر القلق الأونطيقي، والإيمان بالغفران يقهر القلق الأخلاقي، والإيمان بالرب ذاته - بالوجود ذاته - يقهر القلق الروحي.
هكذا نجد حيثيات الفلسفة الوجودية تصب توا في سويداء قلب الإيمان الديني، فيعطينا تيليش أقوى تفسير ديني للوجودية. •••
وإذا انتقلنا إلى الوجه الآخر للعملة، التفسير الوجودي للدين، سنجد أن تيليش يكرس الجزء الثاني من «اللاهوت النسقي» وعنوانه الفرعي «الوجود والمسيح» لكي يعطي كل العقائد المسيحية الأساسية دلالة وجودية، بحيث نجده يصب الديانة المسيحية بأسرها في قلب الفلسفة الوجودية؛ فالسقوط
Fall ، سقوط آدم من الجنة إلى الأرض، يعني الانتقال من الماهية إلى الوجود.
13
تحطيم الذات الوجودي هو مبدأ الشر في العالم، والاغتراب الذي هو مسألة دنيوية بحتة حتى ولو ارتبط بالذنب، يعمل تيليش على إبراز التماثل والتشابه بينهما وبين فكرة الخطيئة في اللاهوت المسيحي. باختصار الحقيقة الدينية بأسرها حقيقة وجودية، لا تنفصل عن الممارسة - أو الفعل كما يقول إنجيل يوحنا - فهي رهان بصميم وجود المرء. وهذا التفسير الوجودي للدين يتبعه أن تغدو وظيفة الدين وجودية، هي قهر القلق والخوف اللذين هما ميراث البشر أجمعين، كما اكتشف كيركجور.
وبهذا التفسير الوجودي للدين ينقذ تيليش العقائد المسيحية التي مستها التغيرات الحديثة، وأهمها الإيمان بعناية إلهية تحرك التاريخ نحو الأفضل، ليحقق في النهاية مدينة الله على الأرض؛ وهي عقيدة ميزت المسيحية منذ أوغسطين، لكنها تحطمت تدريجيا مع الحرب العالمية الأولى، ومع العام الخامس منها كان الإيمان بها قد تلاشى تماما، وشبيه بهذا ما حدث خلال وبعد الحرب العالمية الثانية. ويأتي التفسير الوجودي للدين ليعيد إليها الحياة؛ يوضح تيليش أولا أن الصورة القديمة للعناية الإلهية ليست نتيجة للعقيدة المسيحية، بل للتفكير التواق المتفائل؛
Bilinmeyen sayfa