ولما ركب سيف ذاهبا إلى قومه صافح الشيخ في تأثر، وكان يسأل نفسه وهو سائر: كيف يشهد الشمس إذا أشرقت؟ •••
وطلع الفجر وكان البحر هادئا وأمواجه تتقلب ناعسة، وكان جيش الحبشة يطل من فوق الهضبة على الساحل الضيق الذي تعسكر عليه الكتيبة الصغيرة، وبدأ يستعد للهبوط عليها كأنه الصخرة العاتية تتقلقل للهبوط.
وقال وهرز وهو قابض على قوسه: أعيدوا لف عمامتي، فإن حاجبي يتهدلان ثانية.
ولما سويت العصابة على جبينه رفع رأسه قائلا: هكذا أبصر سهمي. فانظروا أين مسروق إذا بدأ زحفه.
وطلعت الشمس من وراء البحر فاترة، وكان مسروق يسير في طليعة الجيش على فيله الضخم وعليه حليته الثمينة، وكانت الخيول تتواثب رشيقة من حوله في نصف دائرة، وتمتد من ورائه الصفوف إلى غير نهاية.
ووقفت كتيبة الديلم في صف قصير تنتظر قائدها أن يرمي سهمه، وتردد جيش الحبشة حينا حتى نزل الملك عن فيله واعتلى فرسا أدهم، وكان على رأسه تاج يلمع بياقوتة حمراء في شعاع شمس الصباح. فلما صار عند أول السفح جذب وهرز قوسه قسرا، وسوى سهمه حتى أحكم تسديده، ثم أرسله يسبح في الفضاء كأنه يمد حبلا، فما هي إلا لحظة حتى اضطرب صف الفرسان والتف حول مسروق.
فصاح الشيخ صيحة يكاد من يسمعها يحسب أنه ذئب جائع، وعلت من ورائه صيحة من صف جنوده كأنها عواء قطيع من ذئاب، ثم رموا سهامهم في الجمع الكثيف الذي أمامهم بغير حاجة إلى تسديد؛ فتزعزعت صفوف الحبشة وتصدعت جموع الأعراب، حتى خيل إلى الشيخ أن العدو يتردد في زحفه ويوشك أن يرتد! ولكنها لم تكن سوى هزة، واستأنف الجيش الضخم سيره على السفح كما يتهاوى سيل من الحمم على جانب بركان.
وصاح وهرز صيحة أخرى مثل ذئب يعرس في فريسته، وعلت من ورائها صيحة جنده، ووقعت السهام مرة ثانية كدفعة من المطر الدافق، فتزعزعت الصفوف وتصدعت، ولكن الجيش لم يلبث أن استجمع وبدأ ينحدر سريعا.
وفي تلك اللحظة علت صيحة من وراء الهضبة، وتدفقت جموع من الفرسان خلف صفوف الحبشة، فتوقف انحدار السيل الجارف وتردد، ثم استدار في اضطراب ليلقى المفاجأة المفزعة.
وكان سيف في درعه المعلمة يتقدم الفرسان، ويضرب في عنف كأنه يصدع جانبا من صخرة، وأصحابه من ورائه ومن حوله يطحنون الصفوف المضطربة بسيوفهم ورماحهم وحوافر خيولهم؛ فلم يلبث الجيش العظيم أن تصدع، فذهبت قطع منه إلى اليمين وقطع أخرى إلى اليسار، ثم اختلطت الخيول العربية بالفلول الحائرة، وجعلت تحطم كل كتلة منها قطعا، ومرت ساعة طويلة في فوضى يحجبها غبار كثيف. •••
Bilinmeyen sayfa