المعاند، الذي صمدْت لمحاكمته، وابتدأت بمُنازعته ومحاجّته، من استحسن رأيك في إنصاف شاعر، ثم ألزمك الحيفَ على غيره، وساعدك على تقديم رجُل، ثم كلّفك تأخير مثله؛ فهو يسابقك الى مدح أبي تمام والبحتري، ويسوّغ لك تقريظ ابن المعتز وابن الرومي؛ حتى إذا ذكرت أبا الطيب ببعض فضائله، وأسميته في عِداد من يقصر عن رتبته امتعض امتعاض الموتور، ونفر نِفار المَضيم، فغضّ طرْفه، وثنى عِطفه، وصعّر خدّه، وأخذته العزة بالإثم، وكأنما زوّى بين عينيه عليك المحاجم.
وأُقبِل عليك أيها الراوي المتعتّب فأقول لك: خبّرني عمّن تعظّمه من أوائل الشعراء، ومن تفتتح به طبقاتِ المحدَثين؛ هل خلص لك شعْر أحدهم من شائبة، وصفا من كدِر ومَعابة؟ فإن ادّعيت ذلك وجدت العِيان حجيجَك، والمشاهدة خصْمك؛ وعدنا بك الى أضعاف ما صدّرنا به مخاطبتك، واستعرضنا الدواوين فأريناك فيها ما يحول بينك وبين دعواك، ويحجُزك إن كان بك أدنى مُسكة عن قولك. فإن قلت: قد أعثُر بالبيت بعد البيت أنكِره، وأجد اللفظ بعد اللفظ لا أستحسنه، وليس كلّ معانيهم عندي مرضية، ولا جميع مقاصدهم صحيحة مستقيمة. قلنا لك: فأبو الطيب واحدٌ من الجملة، فكيف خُصّ بالظلم من بينها، ورجل من الجماعة فلِم أفرد بالحيف دونها؟ فإن قلت: كثُر زللُه، وقلّ إحسانه، واتسعت معايبه، وضاقت محاسنه. قلنا: هذا ديوانُه حاضرًا وشعره موجودًا ممكنًا؛ هلم نستقرئه ونتصفّحه، ونقلبه ونمتحنه، ثم لك بكل سيئة عشر حسنات، وبكل نقيصة عشر فضائل، فإذا أكملنا لك ذلك واستوفيته، وقادك الاضطرار الى القبول والبهْت، ووقفت بين التسليم والعناد عُدْنا بك الى بقية شعره فحاججناك به، والى ما فضل بعد المقاصّة فحاكمناك إليه.
1 / 53