سأله ييتس قائلا: «أهذه هي الطريقة التي تميز بها المكان؟ أم إنها تعويذة ما ستساعدك في العثور على المسدس؟»
أجاب الشرطي بهدوء قائلا: «لا هذه ولا تلك. إنه مفتاح الأصفاد. فنسخته موجودة في ويلاند.»
صفر ييتس نغمة مطولة، ونظر بإعجاب إلى الرجل الضئيل. وأدرك أن الموقف ميئوس منه. فلو حاول البحث عن المفتاح وسط العشب الطويل، كان من المرجح جدا أن يعثر ستوليكر على المسدس قبل أن يعثر ييتس على المفتاح، وحينئذ كان الصحفي سيصبح تحت رحمة الشرطة مرة أخرى. «من الواضح يا ستوليكر أنك أشد ولعا برفقتي من ولعي برفقتك. لم يكن هذا تصرفا استراتيجيا سيئا منك، لكنه ربما يكبدك بعض المتاعب الشخصية قبل أن أنزع هذه الأصفاد. لن أذهب إلى ويلاند في هذه الرحلة، وقد تصيبك معرفة ذلك بخيبة أمل. لقد ذهبت معك إلى الحد الذي كنت أنويه. أما الآن، فستأتي أنت معي.»
رد الشرطي قائلا بحزم: «لن أتحرك.»
قال ييتس وهو يلوي يده حول سلسلة الأصفاد ليمسكها: «ممتاز، فلتبق مكانك إذن.» وبعدما أحكم قبضته عليها، سار على الطريق عكس الاتجاه الذي كانا سائرين نحوه قبل بضع دقائق. أطبق ستوليكر أسنانه وحاول أن يثبت في مكانه، لكنه أرغم على السير وراءه. لم يقل أيهما شيئا حتى قطعا عدة مئات من الياردات. ثم توقف ييتس.
وقال: «بعدما أثبت لك حقيقة اضطرارك إلى مرافقتي، آمل أن تبين أنك رجل رشيد يا ستوليكر وتأتي معي بهدوء. فذلك سيكون أقل إرهاقا لكلينا، والنتيجة ستكون واحدة في النهاية. لا تستطيع فعل أي شيء إلى أن تنال مساعدة. سوف أشاهد المعركة، التي أشعر يقينا بأنها ستكون قصيرة ؛ لذا لا أريد إهدار مزيد من الوقت في العودة. ومن أجل تجنب مقابلة الناس والاضطرار إلى شرح أنك سجيني، أقترح أن نسير عبر الحقول.»
أحد الفوارق بين الأحمق والحكيم أن الحكيم دائما ما يقبل المحتوم. وقد كان الشرطي حكيما. عبر الاثنان السياج ذا العوارض الأفقية إلى الحقول، وسارا معا بسلام، كان ستوليكر صامتا كعادته بثقة متجهمة لدى رجل متيقن من أنه سينتصر في النهاية، رجل يحظى بدعم أمة كاملة، وكل آلاتها تعمل في مصلحته، أما ييتس، فكان كلامه يتناوب بين الثرثرة والجدال والإفادة، وأحيانا ما كان يقطع كلامه ويشدو فجأة بأغنية حين كان عدم تجاوب الآخر يصعب الحوار معه. «يا لجمال هذه الحقول الساكنة العطرة المترامية الأطراف وهدوئها وسكينتها يا ستوليكر! يا للطمأنينة التي تبعث في روح سئمت صخب المدينة من هذه العزلة، التي لا يكسرها سوى تغريد الطيور ودندنة النحل الناعسة، التي توصف خطأ بأنها «طنين»! الحقول الخضراء والأشجار الظليلة ونسائم هواء الصيف العليلة، التي لم يلوثها دخان المدينة، وفوق كل ذلك هدوء السماء الزرقاء الصافية الأبدي، كيف يمكن للحقد والغل البشري أن يكون له وجود في جنة كهذه؟ ألا يجعلك كل هذا تشعر بأنك صرت طفلا بريئا مرة أخرى، بدوافع نقية وضمير طاهر؟»
حتى لو كان ستوليكر قد شعر بأنه طفل بريء، فلم يبد كذلك إطلاقا. فكان يتفحص الحقول الفارغة بجبين عابس ولهفة شديدة على أمل إيجاد أي مساعدة. ومع أن الشرطي لم يبد أي رد، جاءت إجابة صعقت ييتس وطردت من ذهنه كل خواطره عن جمال الريف. ففجأة، كسر الصمت بفرقعة بندقية خافتة صدرت من على بعد أمامهما، ثم تبعتها عدة طلقات متفرقة، ثم دوي وابل من الرصاص. وقوبل ذلك برد حاد من دوي بنادق من على يمينهما. فاندفع ييتس راكضا وهو يتفوه بلفظ بذيء.
صاح قائلا: «لقد بدءوها! وبسبب عنادك اللعين، ستفوتني مشاهدة العرض من بدايته. لقد بادر الفينيانيون بإطلاق النيران، ولم يتأخر الكنديون في الرد.»
ثم صار ضجيج إطلاق النيران متواصلا آنذاك. فأيقظ ذلك روح المحارب القديم داخل ييتس. كان كحصان حربي عجوز يشم رائحة دخان المعركة المسكرة من جديد. وسطع في عينيه اللامعتين جنون البارود.
Bilinmeyen sayfa