أدار ييتس العملة في الهواء بابتهاج، ثم أمسكها بيد واحدة وصفع اليد الأخرى عليها. «والآن، حانت لحظة التحول في حياة كائنين بريئين.» رفع اليد التي كانت تغطي العملة، وحدق إليها في الظلام المتزايد. «الوجه ذو الصورة. ستصبح مارجريت هوارد السيدة ريتشارد ييتس. فلتهنئني يا بروفيسور.»
وقف رينمارك بلا حراك كتمثال، مجسدا مثالا عمليا لرباطة الجأش. فيما اعتمر ييتس قبعته بمزيد من المرح، ووضع في جيب بنطاله العملة المعدنية الفارقة في مصيره.
ثم قال: «وداعا أيها العجوز. سألقاك لاحقا وأخبرك بكل التفاصيل.»
ومن دون أن ينتظر ييتس الجواب؛ لأنه ربما كان يعلم أن لا جدوى من التأخر، سار نحو السياج وقفز من فوقه واضعا إحدى يديه على العارضة العلوية. أما رينمارك، فوقف ساكنا بضع دقائق، ثم جمع بعض الشجيرات السفلية والعصي الكبيرة والصغيرة في صمت، وأضرم بعض النيران وجلس أمامها على جذع شجرة مقطوع دافنا رأسه بين يديه.
الفصل الثاني والعشرون
سار ييتس مبتهجا على الطريق وهو يصفر لحن أغنية «لمس جيتاره ببهجة.» ربما لا توجد لحظة في حياة الرجل يكون فيها أعمق شعورا ببهجة الحياة من اللحظة التي يذهب فيها إلى فتاة لعرض الزواج عليها وهو متيقن بدرجة كبيرة من موافقتها، إلا إذا كان في هذه اللحظة يهجر حبيبة أخرى مقبولة لقلبه. كان شيء من السحر كامنا في تلك الليلة، التي كانت واحدة من ليالي يونيو، بظلامها الناعم المخملي وهوائها اللطيف العذب المحمل بعطور الغابة والحقل. وقد ألقى سحر تلك الساعة تعويذته الفاتنة على الشاب، فقرر أن يحيا حياة أفضل، وأن يكون جديرا بالفتاة التي اختارها ، أو التي اختارها له القدر بالأحرى. توقف لحظة متكئا على السياج بالقرب من ضيعة آل هوارد؛ لأنه لم يكن قد استقر على تفاصيل اللقاء في قرارة ذهنه بعد. قرر ألا يدخل؛ لأنه كان يعلم أنه سيضطر حينئذ إلى التحدث، ربما لساعات، إلى الجميع باستثناء الفتاة التي كان يبتغي لقاءها. وإذا أعلن مجيئه وطلب لقاء مارجريت وحدها، كان بذلك سيحرجها وهما لا يزالان في البداية. كان ييتس بطبيعته أكثر لباقة من أن يستهل حواره معها ببداية خرقاء كهذه. وبينما كان يقف هناك، ممنيا نفسه بمصادفة تخرجها من البيت، ظهر ضوء في النافذة البابية للغرفة التي كان يعرف أن الفتى الذي يتماثل للشفاء راقد فيها. وشكل ظل مارجريت خيالا على الستارة. فالتقط ييتس حفنة من الرمل ورماها برفق على لوح النافذة الزجاجي. من الواضح أن صوت طقطقة الرمال الخافت قد جذب انتباه الفتاة؛ لأن النافذة فتحت بحرص، بعد سكوت لحظي، وخرجت منها مارجريت بسرعة وأغلقتها ثم وقفت هناك في هدوء تام.
قال ييتس هامسا بصوت مسموع بالكاد: «مارجريت.»
فتقدمت الفتاة نحو السياج.
وهمست بدورها قائلة: «أهذا أنت؟» بتشديد على الكلمة الأخيرة أثار ييتس. فقد بدا أن هذا التشديد يقول بوضوح تماما كالكلام إن هذه الكلمة تشير إلى حبيبها الوحيد على وجه الأرض.
فأجاب ييتس وهو يقفز من فوق السياج ويدنو منها: «نعم.»
Bilinmeyen sayfa