تحدثت مارجريت بملاطفة إلى حصانها حين فتحت باب الحظيرة، ورد عليها جيبسي بذاك الصهيل المبحوح الخافت الحنون، الذي يصفه الأسكتلنديون ب «الصهيل الرقيق»، ذلك الوصف الذي يحمل صورة واضحة حية. ربتت برفق على الحيوان الصغير، ورغم أن جيبسي قد تفاجأ بأنها تضع عليه السرج واللجام في هذه الساعة المتأخرة من الليل، فإنه لم يبد أي اعتراض، بل اكتفى بفرك أنفه صعودا ونزولا في كم مارجريت بحنو وهي تربط أحزمة السرج واللجام عليه. كان واضحا أن بينهما قدرا جيدا من التفاهم.
همست قائلة: «كلا يا جيب، لا أحمل لك شيئا الليلة، لا شيء سوى العمل الشاق والعمل السريع. والآن، يجب ألا تصدر ضوضاء إلى أن نتجاوز المنزل.»
ثم أنزلت حلقة سوط ركوب الخيل حول معصمها بانزلاقة سريعة، ومع أنها كانت تحمل هذا السوط دائما، إلا أنها لم تستخدمه قط. وبهذا لم يتعرض جيب لإهانة الجلد بالسوط قط، وكان دائما مستعدا لتنفيذ المطلوب منه بمجرد كلمة واحدة.
كانت مارجريت قد فتحت البوابة الكبيرة قبل أن تضع السرج على حصانها؛ لذلك لم تتأخر في الخروج إلى الطريق الرئيسي، مع أن لحظة مرورها بجوار المنزل بثت القلق في نفسها. كانت تخشى أن يخرج والدها لاستطلاع الوضع خارج المنزل لو سمع خطوات الفرس أو صهيله. وعند منتصف الطريق بين بيتها وبيت آل بارتليت، امتطت الحصان بخفة. «والآن، هيا يا جيب!»
لم يحتج الحصان إلى كلمة ثانية. وانطلق بها بعيدا على الطريق نحو الشرق، وكانت نسائم هواء يونيو المعتدل تأتي حلوة وباردة ومنعشة من البحيرة البعيدة، محملة بروائح الغابة والحقول. كان السكون المطبق يخيم على الأجواء، ولم يكسره سوى صفير حزين من البلبل الأمريكي، أو نغمة أشد غرابة وإخافة صادرة من طائر غواص بعيد.
كانت المنازل على طول الطريق تبدو مهجورة؛ إذ لم تظهر أضواء في أي مكان. وكانت أرجاء البلدة قد عجت بأبشع الشائعات عن مذبحة اليوم، وبدا أن السكان، وإن كانوا متناثرين في أنحاء البلدة، قد تقوقعوا على أنفسهم. خيمت على الأرض فترة من الصمت والظلام، وكان صوت نقرات حوافر الحصان السريعة واضحا وضوحا مذهلا على الأجزاء الصلبة من الطريق، وتجلى بروز الصوت بفواصل متقطعة من السكون التام حين كانت الأطراف السفلى من أقدام الحيوان الصغير المقدام تغوص في الرمال وتصعب تقدمه. ولم تسر رعشة من الرعب في جسد مارجريت في هذه الرحلة الليلية إلا حين دخلت دربا مظلما محاطا من على جانبيه بأشجار الغابة العتيقة التي تلاقت فروعها في الأعلى لتشكل فوقه قوسا وتجعله أشبه برواق كاتدرائية قاتم كبير، يمكن أن يختبئ أي شيء بين جنباته. وفجأة وثب الحصان من الخوف وانحرف جانبا وأسرع في ركضه، حينها حبست مارجريت أنفاسها حين رأت، أو تخيلت أنها رأت، العديد من الرجال ممددين على جانبي الطريق لا تعرف إن كانوا نائمين أو موتى. وحالما خرجت إلى العراء مرة أخرى، تنفست الصعداء، ولولا وثبة الحصان، لكانت قد اتهمت خيالها بخداعها. ولم تكد تطمئن نفسها تماما حتى تحرك طيف رجل من السياج إلى منتصف الطريق، وصاح صوت حاد قائلا: «قف!»
فغرس الحصان الصغير حافريه الأماميين في الأرض معا، كما لو كان يعرف معنى الكلمة، وانزلق على الأرض لحظة ثم توقف تماما بسرعة شديدة إلى حد أن مارجريت تشبثت بمقعدها بصعوبة. رأت أمامها رجلا يحمل بندقية، وكان واضحا أنه متأهب لإطلاق النار إذا حاولت عصيان أمره.
سألها قائلا: «من أنت وإلى أين تذهب؟».
فتوسلت إليه مارجريت برعشة خوف في صوتها: «أوه، دعني أمر من فضلك! أنا ذاهبة لإحضار طبيب ... من أجل أخي؛ فهو مصاب بجروح بالغة، وقد يموت إذا تأخرت عليه.»
فضحك الرجل.
Bilinmeyen sayfa