كانت الغرفة مفروشة على نحو أفضل بكثير من الغرف العادية في الحي؛ فقد كانت هناك مجموعتان من الأطباق حيث كانت مجموعة واحدة فقط ستكفي. وعلى رف الموقد والجدران كان هناك العديد من الأشياء غير الضرورية التي تكلف أموالا.
لاحظت السيدة جونسون كل ذلك لكنها لم تقل شيئا، رغم أنها قررت أن تخبر اللجنة بما رأت. ففي الاتحاد قوة، وتكمن الحصافة في كثرة التشاور. وكانت السيدة جونسون تؤمن إيمانا شديدا بحكمة اللجنة وحنكتها. «كم مر على تسريح زوجك من العمل؟» «بضعة أيام ليس إلا، لكن الظروف عصيبة وهو يخشى ألا يجد وظيفة أخرى قريبا.» «وماذا يعمل؟» «نجار، وهو عامل ماهر ورصين ولا يعاقر الشراب.» «إذا أعطيتني اسمه فسأضعه على قوائمنا. ربما يمكننا مساعدته.» «اسمه جون موريس.»
دونت السيدة جونسون اسمه في دفترها، وحين غادرت، شعرت الزوجة بالكاد بالامتنان لما يمكن أن يأتيهم من مساعدة.
أبلغت وقائع الحالة إلى اللجنة، وجرى تفويض السيدة جونسون لتقديم النصح إلى السيدة موريس بشأن إسرافها وتبذيرها. ووضع اسم جون موريس في الدفاتر بين أسماء أشخاص آخرين عاطلين عن العمل. ثم طرحت قضية جو هولندز وأثارت حماسا كبيرا. فقد اشتريت ملابس لائقة بجزء من المال الذي جمع له، وتقرر الاحتفاظ بما تبقى منه في شكل وديعة بحيث يدفع له منه متى ما اقتضت الحاجة.
وحملت اثنتان من السيدات اللاتي لهن القدرة على الإقناع على عاتقهما مسئولية البحث له عن عمل في أحد المصانع إذا ما أمكن ذلك.
شعر جو بأنه غير مرتاح نوعا ما في ملابسه الجديدة، ويبدو أنه كان يرى أن ما أنفق من أموال ليس إلا تبديدا. كما شعر بخيبة أمل حين عرف أنه لن يأخذ المال الذي جمع له دفعة واحدة. وقد قال بأنه لا يعبأ بأمر المال، إنما كان يعبأ أكثر بانعدام الثقة الواضح. لو كان الناس يثقون به أكثر من ذلك، لربما غدا أفضل حالا. فما كان ما يحتاجه جو هو أن يحظى بالثقة والتعاطف الإنساني.
ناشدت السيدتان - بما لهما من قدرة على الإقناع - السيد ستيلويل وهو صاحب مصنع صغير لصنع الصناديق. وقالوا له إنهما واثقتان أن حال هولندز سيتغير إلى الأفضل لو أنه حظي بالفرصة. وأجابهما ستيلويل بأنه لا يوجد لديه مكان شاغر. فقد كان لديه من العمالة ما يكفي بالفعل. كانت صناعة الصناديق تعاني كسادا، وكان هو يرد كل يوم المتقدمين الذين كانوا عمالا أكفاء ولم يكونوا في حاجة إلى الإصلاح. لكن السيدتين كانتا على درجة كبيرة جدا من الإقناع، وليس بمقدور أي رجل أن يرفض مناشدة امرأة حسناء، ناهيك عن امرأتين. فوعدهما ستيلويل أن يعطي هولندز فرصة، وقال بأنه سيستشير رئيس العمال لديه، وأنه سيعلم السيدتين بما يمكن القيام به.
لم يتلق جو هولندز أخبار فرصته هذه بالحماس المتوقع. كم من رجل كان يجوب أنحاء لندن بحثا عن عمل ولا يجده؛ ولذا فحتى السيدتان اللتان كانتا حريصتين على صلاح أمر جو وسعادته ظنتا أنه ينبغي أن يكون ممتنا لحصوله على العمل من غير سعي منه. وكل ما كان من جانب جو أن قال بأنه سيبذل قصارى جهده، وحين تفكر في ذلك تجد أن هذا ما نستطيع أن نتوقعه من أي امرئ.
وبعد ذلك ببضعة أيام تقدم جاك موريس إلى السيد ستيلويل من أجل الحصول على وظيفة، بيد أنه لم تكن لديه لجنة فرعية من النساء المقنعات لمناشدة السيد ستيلويل باسمه. كان جاك على استعداد للعمل بنصف دوام أو ربعه؛ فقد كانت لديه زوجة وابن يعولهما. واستطاع أن يبرهن على أنه عامل ماهر وأنه لم يكن يعاقر الشراب. وهكذا أخذ موريس يعدد ما لديه من مؤهلات على مسامع ستيلويل - صانع الصناديق - العازف عن سماعه. وحينما غادر المكان مخذولا برفض آخر، صادفه جو هولندز. وكان جو محبا لإخوته في الإنسانية ويأبى أن يرى أي شخص خائب الأمل مخذولا. وكان لديه حل واحد مؤكد لعلاج الحزن ووهن العزيمة. ولما كان جو قد طرد لتوه من العمل، فإنه كان يتمتع بمعنويات مرتفعة؛ وذلك لأن توقعه بأنه شخصية لا تقبل الإصلاح قد تحقق للتو، هذا إذا كان العمل شرطا من شروط الإصلاح.
صاح جو وهو يربت على كتف موريس: «ابتهج يا رجل! ما خطبك؟ تعال وتناول معي شرابا. لدي المال هنا.»
Bilinmeyen sayfa