وسواء قطع سليمان الخشب من الحرش الكبير أو من سواه، فإن السياح الإفرنج من أمراء وعظماء وعلماء يتقاطرون على هذا الحرش ويزورونه باحترام عظيم، والغريب أنهم يفدون لهذا الغرض من أقصى الأقطار، مع أن جيران الأرز في الشام ومصر لا يعرفونه. ورجال الدين منهم يصلون هناك بخشوع، ويعتبرون أجر الصلاة فيه مضاعفا، وجميعهم ينقشون أسماءهم أو بعض حروفها على جذوع أشجاره، فغطوا بها كثيرا منها، حتى صدر الأمر بمنع ذلك حفظا للأشجار، والزائر يشاهد إحداها مكشوطة القشرة بفأس أو سكين على قدر شبر أو أكثر وفيها اسم منقوش، فلا نعلم كيف أن ذلك القاسي البارد ناقش هذا الاسم طاوعته يده على طعن تلك الأرزة المقدسة الجميلة هذه الطعنة في صدرها!
الفصل العاشر
ليلة باردة تحت أشجاره «بلا فراش ولا غطاء»
فدخل سليم وكليم إلى دائرة الأرز مشيا على الأقدام، وتبعهما بطرس مع بغليه، فربطهما وراء غرفة صغيرة مبنية على انفراد بإزاء الكنيسة القديمة القائمة في شمالي الأرز.
وقد افتقد سليم وكليم أصحابهما الذين بعثوا في طلبهما فلم يجدا لهم أثرا فاستغربا ذلك، وكان في الغرفة التي أشرنا إليها عائلة مؤلفة من امرأتين وبضعة أولاد، ولم يكن في الأرز غيرهم، فسألاها فأجابتهما أن قوما كانوا نازلين في الأرز قوضوا خيامهم في ذلك الصباح وساروا في جهة الجنوب؛ ليقيموا هناك يوما أو يومين.
فاستاء الرفيقان من ذلك؛ لأنهما لم يجلبا غطاء ولا فراشا، ولكنهما تذكرا الكنيسة؛ لأن المسافرين ينامون فيها، فقيل لهما إن أمين مفاتيحها غائب ولا يعود إلا في اليوم التالي.
وكان قد أمسى المساء وهبط الظلام، وبرد الهواء بردا قارصا، فصار كليم وسليم يضحكان من نفسهما؛ لأنهما سيضطران إلى النوم على أديم الأرض تحت السماء!
1
ولكن جوعهما ذكرهما بالطعام قبل الرقاد، فاختارا أرزة عظيمة قائمة بجانب الغرفة المذكورة إلى الشمال، فبسطا تحت جذعها بساطا كان معهما، وتناولا طعامهما من الخرج وجلسا، فجلس بطرس بجانبهما يأكل معهما، وكانت السيدتان صاحبتي ذوق فأحضرت إحداهما قشا وحطبا، وأشعلته بجانب كليم وسليم لطرد البرد والظلام.
أما بطرس ففي أثناء ذلك كان يقول للسيدتين وفمه ممتلئ بالطعام: عافاكم عافاكم. كأن السيدة صنعت ذلك إكراما له.
Bilinmeyen sayfa