وتفصيل الخبر أنني كنت ذات يوم مارا بقرية القلمون الإسلامية الكائنة على شاطئ البحر تحت دير البلمند وقلحات، فرأيت اجتماعا عظيما خارج القرية فسألت: ما الخبر؟ فعلمت أن هنالك معتوها يضحك الأهالي منه، ويجوزون له ما لا يجوزونه لسواه، وكان هذا المعتوه (يجد ليجد السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكان يركب قصبة في كل جمعة يومي الاثنين والخميس، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة، فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان فيصعد تلا وينادي بأعلى صوته: ما فعل النبيون والمرسلون؟ أليسوا في أعلى عليين؟ فيقولون: نعم. قال: هاتوا أبا بكر الصديق. فأخذ غلام فأجلس بين يديه، فيقول: جزاك الله خيرا أبا بكر عن الرعية؛ فقد عدلت وقمت بالقسط وخلفت محمدا - عليه الصلاة والسلام - في حسن الخلافة، ووصلت حبل الدين بعد حل وتنازع، وفرغت منه إلى أوثق عروة وأحسن ثقة. اذهبوا به إلى أعلى عليين. ثم ينادي: هاتوا عمر. فأجلس بين يديه غلام فقال: جزاك الله خيرا أبا حفص عن الإسلام؛ فقد فتحت الفتوح ووسعت الفيء وسلكت سبيل الصالحين وعدلت في الرعية. اذهبوا به إلى أعلى عليين بحذاء أبي بكر. ثم يقول: هاتوا عثمان. فأتي بغلام فأجلس بين يديه فيقول: خلطت في تلك السنين ولكن الله تعالى يقول:
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ، ثم يقول: اذهبوا به إلى صاحبيه في أعلى عليين.
ثم يقول: هاتوا علي بن أبي طالب. فأجلس غلام بين يديه، فيقول: جزاك الله عن الأمة خيرا أبا الحسن؛ فأنت الوصي وولي النبي، بسطت العدل وزهدت في الدنيا، واعتزلت الفيء فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر، وأنت أبو الذرية المباركة وزوج الزكية الطاهرة. اذهبوا به إلى أعلى عليين الفردوس.
ثم يقول: هاتوا معاوية. فأجلس بين يديه صبي، فقال له: أنت قاتل عمار بن ياسر، وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين، وحجر بن الأدبر الكندي الذي أخلقت وجهه العبادة، وأنت الذي جعل الخلافة ملكا واستأثر بالفيء وحكم بالهوى واستبطر بالنعمة، وأنت أول من غير سنة رسول الله ونقض أحكامه وقام بالبغي. اذهبوا به فأوقفوه مع الظلمة.
ثم قال: يزيد. فأجلس بين يديه غلام فقال له: أنت الذي قتلت أهل الحرة، وأبحت المدينة ثلاثة أيام، وانتهكت حرم رسول الله، وآويت الملحدين، وبؤت باللعنة على لسان رسول الله، وتمثلت بشعر الجاهلية.
ليت أشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الأسل
وقتلت حسينا، وحملت بنات رسول الله سبايا على حقائب الإبل. اذهبوا به إلى الدرك الأسفل من النار.
ولا يزال يذكر واليا بعد وال حتى بلغ إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: هاتوا عمر. فأتي بغلام فأجلس بين يديه، فقال: جزاك الله خيرا عن الإسلام؛ فقد أحييت العدل بعد موته، وألنت القلوب القاسية، وقام بك عمود الدين على ساق بعد شقاق ونفاق، اذهبوا به فألحقوه بالصديقين.
ثم ذكر من كان بعده من الخلفاء إلى أن بلغ دولة بني العباس فسكت ، فقيل له: هذا أبو العباس أمير المؤمنين. قال: فبلغ أمرنا إلى بني هاشم. ارفعوا حساب هؤلاء جملة واقذفوا بهم في النار جميعا).
Bilinmeyen sayfa