Sabitlerin Yanılsaması: Felsefe ve Psikoloji Üzerine Okumalar ve Çalışmalar
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Türler
9
صحيح أنني لم أستشر في اختيار والدي أو مسقط رأسي أو تكويني البيولوجي، فكل هذه أوضاع مفروضة علي ولا سبيل إلى إلغائها؛ غير أن لدي مطلق الحرية في اتخاذ الموقف الذي أراه منها، فأكون مثلا فخورا بها أو مستخذيا، متقبلا أو متمردا. فإذا كنت غير مخير في هذه الأوضاع، فإنني جد مخير في استجابتي لها وموقفي منها.
لا فكاك من الحرية. لقد قذف بالإنسان في هذا العالم ورمي بحريته!
قد يتفنن الإنسان للتخلص من هذه الحرية العبء: فيوهم نفسه بأنه أسير الضرورة، ويعمد إلى أن يعيش حياة الأشياء «القابعة في ذاتها»، ويتهيأ للخضوع لكافة ألوان السلطة، ويروغ من مواقف الاختيار أو يكل إلى غيره أن يتخذ القرارات نيابة عنه؛ ذلك بأن الحرية توءمها القلق. القلق يلازم الحرية كظلها؛ فالقلق شعور عام مبعثه ضرورة الاختيار نفسها: «ذلك لأن على الإنسان أن يختار دون أن يكون لديه أي مبدأ للاختيار، بل دون أن يكون لديه أي معيار يستطيع بمقتضاه أن يتحقق مما إذا كان قد أحسن أو أساء الاختيار. فليس القلق هنا عبارة عن خوف من خطر معين، وإنما هو تعبير عن ذلك الشعور الحاد الذي يغمر الإنسان حينما يتحقق من أنه قد قذف به إلى هذا العالم بدون إرادته، وأنه قد حكم عليه بأنه يختار دون أن يكون في وسعه أن يتنبأ بنتائج أفعاله، بل دون أن يستطيع تبريرها؛ فالقلق شعور أليم، وإن كان في الوقت نفسه لا يخلو من نبل، وهو الأصل في شعورنا بما لدينا من حرية شاملة ومسئولية مطلقة أمام ذواتنا وأمام الآخرين؛ فنحن نصنع مثال الإنسان حينما نصنع ذواتنا؛ لأننا بفعلنا نخلق المثل ونبدع القيم لا لأنفسنا فقط بل للجميع أيضا ... يقول سارتر: إن الإنسانية تحدق بعينيها إلى كل ما يعمله الإنسان لكي تتخذ منه نظاما تسير بمقتضاه وتعمل على هديه، فعلى كل إنسان أن يسائل نفسه: هل أنا بحق ذلك الموجود الذي يجدر بالإنسانية أن تعمل على هدي أفعاله؟»
10
يطبق الشعور بالحرية على الإنسان، ويغمره بالقلق ويبهظه بالمسئولية، فيحاول أن يجد منفذا من هذا الحرج بأن يتصور نفسه من الخارج وكأنه بإزاء شيء من الأشياء، أو بتعبير آخر: يحاول أن «يموضع» نفسه. هكذا نحاول أن نتخلص من عبء الحرية فندرس أنفسنا على أننا رهائن في يد الوراثة أو النشأة أو الماضي الذي فرض علينا فرضا. وكأننا نحسد الأشياء الجامدة القارة في ذاتها على سكينتها وطمأنينتها السلبية، فنحاول أن نبرهن على أننا مجبرون مسيرون تحت نير ماهيتنا المسبقة المقدرة علينا. «وهذا هو الأصل في تلك المذاهب الفلسفية التي تحاول أن تدرج الوجود الإنساني في نطاق الوجود العام (وجود الأشياء) كأن الإنسان مجرد موضوع لا يفهم وجوده إلا على ضوء ماهيته. وإذا كان لدى الإنسان حنين مستمر إلى الوجود الموضوعي - وجود الأشياء - فذلك لأنه يرى أن تلك الأشياء كائنة بالفعل، بينما هو لا يملك سوى حياة متقلبة تتأرجح باستمرار بين الوجود والعدم؛ فالأشياء هي ما هي في حين أن الإنسان لا يمكن قط أن يكون ما هو؛ لأنه لا يكف مطلقا عن أن يختار لنفسه ما يريد أن يكون.»
11
وهكذا يستحيل على مشروع الإنسان أن يكتمل إلا بموته!
من هنا نفهم قول سارتر بأن الكائن الإنساني ثغرة في الوجود أو تصدع في حائط الوجود العام؛ لأنه هو الذي يسبب انعدام التجانس في نسيج الكون. إنه الدودة في التفاحة! إنه الموجود الذي بفعله ينفذ العدم إلى الوجود! إنه المخلوق الذي يفرز من حوله عدما يعزله عن باقي الوجود العام. وهو ليس حرا إلا لأن وجوده وجود ناقص يتخلله العدم من كل جانب، فليست الحرية سوى ذلك «العدم» الذي يفصل الإنسان دائما عن ماهيته.
هذا ما يدفعنا إلى محاولة الهروب من حريتنا، والعمل وفقا لماهيتنا، وكأن لدينا - كبقية الأشياء - ماهية سابقة على وجودنا. «وهكذا نحسد تلك اللامسئولية التي تتمتع بها الأشياء، فننزع إلى ذلك الوجود الثابت الأزلي، وجود الأشياء الغارقة في سكون الطمأنينة واليقين، ونعمل على توكيد دعائم تلك الحالة السلبية بإطاعة قوانين صارمة (محددة تحديدا سابقا) أو بالاستناد إلى أحكام أناس آخرين نتخذ منهم قادة ومعلمين، أو بابتداع التزامات موهومة نحو الطبيعة أو الله (كذا) نحاول أن نعمل بمقتضاها ... إلخ. وهذه كلها في نظر سارتر ليست سوى أساليب متنوعة لخداع النفس؛ فهي في صميمها مجرد محاولة يقصد بها القضاء على الحرية.»
Bilinmeyen sayfa