قضي أن تتحول الدولة العثمانية إلى جمهورية، وأن تصبح الخلافة عند الترك أمرا معنويا مضمونا في الجمهورية - كما قال عصمت باشا. وقدر أن يكون عامل هذا التحول يدا أجنبية: فلا أمراء بني عثمان كانوا مذنبين، ولا الغازي مصطفى باشا كمال وأعوانه كانوا مفتئتين، وإنما شيطان البلشفية كان آلة في يد القضاء.
ففي هذه الرواية ترى الدور الذي لعبه هذا الشيطان أعجب درس في فن الدهاء، وأغرب أمثولة في علم المكر. في هذا الحادث المتفرد في تاريخ الشرق انفصمت آخر عروة من عرى علائق العرب بالترك، وانفصل جنين الوحدة العربية من أمه وبدأ يحبو مستقلا، ولكنه لم يزل طفلا.
ألفت هذه الرواية على إثر إلغاء الأتراك الخلافة؛ لأن الموضوع اقتدح زناد القريحة، فاقتبست شررها على الفور قبل أن ينطفئ. وإنما لم يصبها نصيب النشر عاجلا إذ كان غيرها من روايات المجلة يزاحمها. ولما كثر التحدث بأمر مؤتمر الخلافة، رأيت أن الوقت وقتها فلم أعد أسوف نشرها.
وإذا كان القارئ ممن تتبعوا أنباء تلك الحوادث في حينها، فلا بد أن يرى أن كثيرا من حوادث هذه الرواية وقائع حقيقية.
نقولا الحداد
مصر، شبرا
الفصل الأول
هزة مقدمة لزلزال
كانت الساعة العاشرة والنصف حين سمع دولة الغازي مصطفى باشا كمال دوي رصاصة لدى بوابة صرحه. فاستغرب الأمر جدا؛ لأنه يعهد أنه لا أحد يجسر أن يحرك ساكنا تحت ظل سؤدده. فمن يجسر أن يطلق طلقا ناريا لدى داره. هل من ثائر أو نذير بثورة؟
الرجل العظيم من حسب حساب كل صغيرة. فهب الغازي من مكانه وخرج إلى رحبة الدار يسأل: ما الخبر؟ فقال الخدم: إن الحارس الداخلي يا مولاي خرج يستجلي الخبر.
Bilinmeyen sayfa