فتململت وقالت: أف. أف! لقد أسأت إلي يا هذا إساءة عظيمة. والآن تقيم العقبات في سبيل عودتي. - أعترف أني أسأت إليك يا سيدتي وقد حدث الذنب. فأمهليني إلى الليلة التالية فأنفذ أمرك هذا حين لا خوف من أن يرانا أحد.
فتململت تململا شديدا وسكتت هنيهة، ثم قالت: ما الذي ذهب بك إلى تلك الصخور في وسط هذا الليل؟ - ذهب بي ما ذهب بك. - ماذا كنت تفعل هناك؟ - كنت أفعل مثلما كنت تفعلين. كنت أختبط مثلك في الماء مقدما نفسي قربانا لآلهة البحر أو جنياته. ثم اشتبهت بأن الشبح الذي يختبط بشر لا جن، فجاهدت حتى رفعتك إلى البر. فوجدت قدميك مثقلتين بحديدة وسلسلة. ففهمت أنهما مثقلان عمدا لكي تغرقي. وبالطبع أول ما لاح لي أن شخصا أو أشخاصا فعلوا كذلك بك عمدا لكي يغرقوك. - يالله! أما رأيت يدي مطلقتين. لو كان ذلك فعل آخرين يريدون أن يجنوا علي جناية لكان أقل ما يفعلونه أنهم يوثقونني جيدا ويثقلون جسمي.
فقلت: إذن أنت تتعمدين إغراق نفسك؟ - طبعا. - هل كان أحد هناك؟ - يستحيل أن يكون أحد غيري هناك؛ لأني قصدت إلى حيث لا يكون أحد. أين السلسة والحديد؟ - ما زالا على الصخور. - إذن دعني أذهب إلى هناك. - قلت لك يا سيدتي السبب في عدم صواب خروجك من هنا في آخر الليل. فأنت حرة. لا أستطيع أن أعارضك.
فسكتت هنيهة، ثم قالت: إذن رأيك أن أبقى هنا إلى الليلة الآتية، وهل تكتم كل شيء؟! - قلت لك: إني مأمورك الأمين.
وكانت قد انتعشت واستعادت جانبا من قوتها، وصار صوتها أفصح لفظا وجعلت مقلتاها تضطربان في وقبيهما، وبدأ يظهر شيء من اضطرابها وقلقلها.
ثم قالت: إذن قم وامض إلى الصخرة وعد بالسلسلة والحديد. لا أريد أن يعثر عليهما أحد. - حسنا. وإنما أرجو أن تعديني بألا تفارقي هذا المنزل في غيابي. - طبعا، لا أخرج منه. لقد اتفقنا على أن أؤجل رحلتي النهائية إلى البحر إلى منتصف الليلة القادمة. - حسنا. وأنا ذاهب معك الليلة القادمة. - لماذا؟ - لكي أنجز عملي. ويسرني أن أجد رفيقة تقدم نفسها معي قربانا لآلهة البحر. - حسنا. إذن أسرع الآن وعد بالسلسلة والحديدة، وأنا أنتظرك هنا وأكون ضيفتك غدا فقط. - في دقائق معدودة أعود. هنا جنبك قميص صوف ودثار وجوارب، وإن كنت تحتاجين إلى شيء آخر فقد تجدين في الغرفة الأخرى.
وخرجت وأوصدت الباب بالمفتاح وأنا خائف أن تمكر علي وتأتي بنفسها أمرا إدا. فأسرعت إلى الصخرة ثم عدت بالسلسلة والحديدة، وفي نحو 15 دقيقة كنت في البيت ثانية. فإذا هي قد خلعت ملابسها وتدثرت بالدثار الذي تركته لها، وجعلت تجفف ملابسها أمام الموقد. وكانت أمائر الأسى بادية على وجهها كأن غما مخيما فوق صدرها.
وكان السجين الثاني يسمع ويختلج حسب حوادث الحكاية، فقال: أما سألتها: من هي وما اسمها؟ وبنت من؟ ولماذا؟
فقال الأول متبرما: أو هل تظنها يا غبي تجيب على هذه الأسئلة؟ وما الفائدة من سؤال ليس له إلا جواب واحد وهو «ليس ذلك من شأنك» مثلا. ولذلك كنت أحاورها محاورة في الخطاب حتى أستخرج منها أسرارها باختيارها لا باضطرارها. فقلت لها: أظنك تأخذين الآن كأسا من اللبن.
وناولتها الكأس ثم قدتها بيدها إلى المقعد، وجلست على كرسي لديها وقلت: بعد قليل تأخذين إذا شئت كأسا أخرى مع صفار البيض فيشدد فؤادك.
Bilinmeyen sayfa