وكان رجاء الدين لا يزال في برودته يجاوب مبتسما، فقال: ما أنا ظننت يا سيدي الباشا. وإنما كل الأتراك، بل كل العالم يقول عنك الآن: إنك نابليون الأناضول. فإذا ألغيت الخلافة شرعوا يقولون عنك نابليون طورانيا. فلا تضع هذه الفرصة. إن أبواب سراي طولمة بغجة العظيمة وسائر سرايات الآستانة مفتوحة لجلالتكم وجلالة الإمبراطورة لطيفة هانم عقيلتكم.
فسخط به مصطفى باشا كمال وقال: ويحك يا وقح، ما هذا الكلام الذي تتطاول به؟
وهم مصطفى باشا أن يضربه، فرفع رجاء الدين يده كأنه يرد الضربة وقال: حاذر يا باشا أن ترفع يدك علي، فكأنك ترفعها على لنين. لا تنس أني موظف في سفارة روسيا.
فارتد مصطفى باشا كمال واجما وامتلك عنان خلقه، ثم قال: ولكنك تماديت في الحديث معي كأنك تمازحني. - كلا يا مولاي، لست أمازحك. وإنما أريك المستقبل في مرآة جلية واضحة. فإن لم تشأ أن تنظره فلا تلم إلا نفسك. الخليفة يخلع والخلافة تلغى، وإلا فالجمهورية التركية تنسف نسفا والحلم الطوراني يذهب وهما بعد أن كان حقيقة.
وهم رجاء الدين أفندي أن ينهض لكي يخرج، فأمسك به مصطفى باشا قائلا: مهلا. - أظن أنه حان الوقت يا مولاي لاجتماعكم بعصمت باشا وغيره من الأعوان. - مهلا. أود أن أسألك أمورا. - تفضل يا سيدي سل، إني في خدمتك بكل إخلاص. - تقول إنك تركي. وما الذي قذف بك إلى حضن السفارة الروسية؟ - وماذا يمنع هذا يا مولاي؟ يقول المثل: «حيث ترزق الزق.» - ليس ما يمنع ذلك يا صاح. وإنما رجل مثلك تحتاج إليه الجمهورية أكثر من روسيا. - لا بأس! أستطيع أن أخدم الجمهورية وأنا في سفارة روسيا أكثر مما كنت خارجها، ولا سيما لأن مصلحة الجمهورية تتفق مع سياسة الحكومة الروسية البلشفية. - كيف تستطيع أن تخدم الجمهورية؟ - بما يتسنى لي من الاطلاع على خفايا أعدائها وأسرارهم. - كيف يتسنى لك ذلك؟
فضحك رجاء الدين وقال: أوه! إني أعرف كل أعداء الجمهورية. ومعظمهم في قصور الأمراء. وأعرف الأمراء واحدا واحدا. وأعرف أصل كل واحد وفصله. - لعلك كنت متصلا بهم جميعا. - بل كنت متصلا ببعضهم. كنت سكرتيرا مدة عام للداماد فريد باشا، وكاتبا في دائرة البرنس برهان الدين أفندي، وبعد حين مديرا لأشغال البرنسس خديجة هانم بنت السلطان مراد. وأخيرا كنت سكرتيرا للبرنس سناء الدين. وأعرف جميع الأمراء. - ولكن هذا يستلزم أن تكون في الآستانة يا صاح.
فابتسم رجاء الدين وقال: أقدر أن أكون حيث أشاء متى أشاء يا سيدي. - وإنما إذا كنت تجد أقل صعوبة أو عرقلة، فإني أسهل لك كل سبيل. - إن السبيل سهل يا سيدي بإذن الله. أستودعكم الله الآن يا صاحب الجلالة الإمبراطور العتيد. إن طورانيا وضعت فيكم كل آمالها. فحققوا هذه الآمال. أظن جرس التلفون ... لعل عصمت باشا يريد أن يخاطبكم الآن. وداعا! - إلى ملتقى قريب يا رجاء الدين أفندي، أود أن أراك من حين إلى آخر.
الفصل الثاني
جوزفين مصطفى
وكأن رجاء الدين أفندي كان نبيا، فإن حرم عصمت باشا كانت تخاطب دولة الغازي بالتلفون لأن عصمت باشا ضعيف السمع، فسألت: هل عند دولتكم أخبار جديدة من الآستانة؟
Bilinmeyen sayfa