143

[142_2]

منقبضك؛ ويطلق معقولك، فاقتصر على الإشارة دون اللسان، فإنه الحاكم الفاصل، والحسام الناصل، وأشار إلى مصرع جعفر وهو يقول:

من لم يؤديه الجمي ... ل ففي عقوبته صلاحه

قال سهل: فو الله ما أعلمني عييت بجواب أحد قط، غير جواب الرشيد يومئذ؛ فما عولت في شكره والثناء عليه إلا على تقبيل يديه وباطن رجليه، ثم قال لي: اذهب فقد أحللتك محل يحي بن خالد، ووهبتك ما ضمنته أبنيته، وحوى سرادقه، فاقبض الدواوين وأحص حباءه وحباء جعفر، لنأمرك بقبضه إن شاء الله. قال سهل: فكنت كمن نشر عن كفن، وأخرج من حبس، فأحصيت حباءهما فوجدت عشرين ألف دينار.

وبذلك تبينت منزلة سهل، وكيف أصبح بعد يحي البرمكي صاحب دواوين الرشيد، ومع ما كان له من الإجلال في الصدور، خاف يوم النازلة بالبرامكة - والبرامكة من محاسن العالم، ودولتهم من أعظم الدول، وهم كانوا نكتة محاسن الملة وعنوان دولتها - خاف أن تضمه القافية لصحبة لهم ، وامتزاجه بهم؛ وناهيك به يومئذ من موقف صعب، ولكن عقل الرشيد لا تعبث به الأهواء، ويضن بعظيم من رجاله لأسباب تافهة، فأبقى على سهل بن هارون، لأنه من مفاخر الملة والدولة. لا جرم أن سهل ابن هارون كان في سياسته من حزب الحكومة أو الحزب المعتدل، تعزب فطرته عن التطرف، ويرى المصلحة في التآليف، ويعد الخروج عن سبيل الجماعة خروجا عن الطاعة. والغالب أن عشرة سهل مع الرشيد دامت حتى مات هذا سنة 139، ولم يجر له ذكر في عهد الأمين مدة أربع سنين وثمانية أشهر وكسر؛ فالتزم على ما ظهر بينه، واعتزل الفتنة، حتى إذا كانت الخلافة للمأمون أصبح سهل بن هارون من خاصته، كما كان من خاصة أبيه الرشيد من قبل. وروى بعض الرواة أن المأمون كان استقبل سهل بن هارون؛ وقد دخل عليه يوما

Sayfa 142